بستان
أطفال.. من زنك ونار
عبد الواحد بنعضرا
يتعلق
الأمر بملحق يوم الجمعة من جريدة التجديد، وهو من خلال عنوانه "بستان الطفولة"
موجّه للأطفال. غير أن المطلع على أعداد هذا الملحق لن يجد أية علاقة بينه وبين
الأطفال إلا من حيث شحنهم بخطاب إيديولوجي، وبلغة أكبر من سنهم. ففي "حكايات
احمد"، نجد عبارات يتداولها أصدقاء صغار مثل: "... كان عليك أن تقف لحظة
تأمل لتساءل نفسك عما عملته وما جنيته في السنة الفارطة من أفعال وأعمال فتستغفر
الله على السيّء منها وتصلحها.." (2 يناير 2004).
"أعوذ
بالله من غضب الله، نستغفر الله عمّا اقترفناه في حق زملائنا" (19 دجنبر
2003).
طبعا
لا يوجد عند أصحاب "التجديد" شيء اسمه البراءة، ولا حتى شيء اسمه
الطفولة، فأن يكون الإنسان طفلا أو شيخا سيان، المهم عندهم هو الشحن حدّ الامتلاء،
ولا يهم، فنفس الخطاب الموجه للكبار يصلح تماما تماما للصغار، فالترغيب للكبار هو
ذاته للصغار، لا فرق، والترهيب هو هو لا اختلاف في ذلك، هكذا يؤنّب أحمد أصدقاءه:
"كفى توقفوا عن القيام بهذا الفعل القبيح.. هل أنتم حقا مسلمون؟" (19
دجنبر 2003).
وبالمقابل
نجد أحمد في حكاية أخرى يقول: "هذا خطأ.. أنت مؤمن بالله وتقيم واجباتك الدينية
وتريد ان تدخل الجنة.. أليس كذلك" (15 يناير 2004).
إن
أخطر ما في هذا الأمر هو أن الطفل الصغير لا يستوعب جيدا معنى الجنة والنار كما
يفهمها الكبار، وبالتالي فإن الصلة التي ستربط بين فعل الخير وبين المقابل ستصبح
علاقة لازمة، أي أنه لن يقوم بفعل خيِّر إلا إذا كان وراءه ربح ما، سيتعلّم الطفل
كيف يكون انتهازيا بدل فعل الخير. أترى هذا ما قصده أحمد بقوله لأحد اصدقائه:
".. لتحقيق طموحاتنا الدينية والدنيوية.." (2 يناير 2004). إني أفهم
معنى (طموحات دنيوية) ولكني لا أفهم ما يريده من عبارة: "طموحات
دينية"؟ !!
غير أن
الأنكى في حكايات أحمد هو غياب العنصر الأنثوي، فلا مجال لا في القسم ولا في
الشارع لأن تجد طفلة في هذه الحكايات، وطبعا لا يستغرب هذا من أصحاب التجديد، فلا
مجال لوجود الأصدقاء ــ ولو كانوا أطفالا ــ من ذكور وإناث. أهناك حقد أكثر من هذا يمكن أن يكّنه أحد للأنثى
حتى لو كانت صغيرة، بل وفي مجرد رسوم فقط !!!
أهذا
ما بشرّتم به بستان أطفالنا، ورد من زنك وأزهار من نار.
وفي
إصرار أصحاب التجديد على الحجاب، نجد في كل أعداد هذا الملحق صورة لطفلة لا تبدو
ملامح وجهها جيدا، بقدر ما يبدو غطاء رأسها الأبيض، وتحت هذه الصورة دعاء (دعاء
الريح، الدعاء لمن صنع معروفا...) وكأن مهمة الأنثى عموما هي الدعاء والتحجب،
بينما دور الذكر هو العلم والعمل و.. و..
ولا
يوجد في هذا الملحق أي جو من المرح، فكل شيء معد مسبقا بكيفية تمكن من شحن الطفل،
حتى الحكايات لا تنجو من هذا الأمر، فهي حكايات لا تنتمي إلى القصص العالمي أو
المغربي الخاص بعالم الطفولة، ولكنها تنبع من كهوف مظلمة عشّش فيها التحجر وباض وفرّخ، وباب الحكايات هذا يسمى "قصة وعبرة"، وستجد أن العبرة تحضر ــ ولو
لم تناسب سن الأطفال ــ بينما تغيب القصة. ففي حكاية "ورقة النقود" نجد
مثل هذه العبارات: "أدهشني ردها أكثر من ذي قبل، فسألتها بلهفة: وكيف
ذلك؟ !
أجابت [ورقة النقود] بهدوء الواثق من نفسه، من اكتسبني من حلال أو أنفقني في حلال
كنت سعادة له في الدنيا والآخرة، ومن اكتسبني من حرام وأنفقني في حرام كنت وبالا
عليه في الدنيا والآخرة... ظننت أن الغرور أصاب ورقة النقود فقلت لها: إن الناس
تجمعك وتنفقك في الدنيا فما دخلك بالآخرة. أجابت بسرعة وكأنها تستغرب سؤالي: وهل
الدنيا إلا مزرعة للآخرة" (23 يناير 2004).
وهكذا
القصة/العبرة، لا وجود فيها لعناصر القصة أو الحكاية. بل شحن في شحن، وقل نفس
الشيء عن قصة "الخياط وحيلة السلطان" وقصة "المكافأة".
وكما
قلت آنفا فأصحاب التجديد لا يعرفون شيئا اسمه البراءة، ولا الطفولة، فسنجد في كلمة
البستان عند اقتراب بداية السنة ما يلي: "إن بداية السنة الميلادية الجديدة
تحمل معها دلالات يجب أن لا تمر علينا دون وعي، فالاحتفالات، و"بابا نويل"
وشراء الحلويات ليلة نهاية السنة، وشجرة العيد المزينة بالمصابيح وغيرها، كلها
دخيلة، وليست من ديننا الحنيف (...) فلنحافظ على صلاتنا وزكاتنا، وبرّ والدينا،
أما مظاهر الاحتفال التي هي عادة دخيلة غريبة، وتحريف لما جاء به نبي الله عيسى.
فنحن مأمورون بتصحيحها لا باتباعها وتقليدها ولو كانت خاطئة. وكل عام وأنتم على
ثبات على الحق. وعزيمة على الرشد" (26 دجنبر 2003).
عند
هذه النقطة تكون عزيزي القارئ قد تأكدت أن بستان الطفولة لا علاقة له بعالم
الطفولة، وأنه بستان مليء بالألغام ما إن يدخله طفل من أطفالنا حتى تنفجر عليه،
وكأن أصحاب التجديد لم يكونوا أطفالا ولم يلعبوا صغارا، لهذا لن تعثر في بستانهم
الملغّم على ألعاب رياضة (وهي غائبة حتى في الجريدة الأم !!) أو استطلاع لمكان يستهوي
الأطفال (كحدائق الألعاب) أو حوار مع شخصية محبوبة عند الأطفال (فنان، رياضي، كاتب
قصص الأطفال..)، أو حكايات عالمية للأطفال. وطبعا دون أن تنتظر صفحة للعلوم فهذا
ما لا تتوقعه حتى في امتحانات اللغة العربية في مدارسنا، فامتحانات هذه المادة
دائما تتحدث عما تم تجاوزه، بعكس مادة الفرنسية ــ مثلا ــ التي تجد امتحانها
يتطرق لموضوع البيئة أو العلوم أو بصفة عامة لما يتوجه بالتلميذ نحو المستقبل،
فكيف تتوقع فقرة علمية في بستان "التجديد".
ويبقى
المشكل الأكبر هو غياب "إعلام مغربي" خاص بالطفل يمكن أن تواجه به مثل
هذه "الملحقات"، ففي غياب مجلات شهرية، وملحقات صحفية خاصة بالطفل ضمن
الجرائد المغربية، تبقى الساحة مفتوحة أمام أصحاب التجديد لزرع ألغامهم في مستقبل
أطفالنا وسرقة أحلامهم.
وكم هو
محزن أن يُقيد أطفالنا بمثل هذا الخطاب الذي يحد من قدراتهم وطاقاتهم الإبداعية،
والفرق واضح بين طفل هو كالشيخ في هيئة صبي صغير، وبين طفل يعيش طفولته كما يجب
بدون قيود حيث يُمنح فرصا لإبراز مواهبه وإمكاناته. أتذكّر شيئا مما نظمه في شبابه
الشاعر الهندي رابندرات طاغور حيث يقول:
إن
الطائر المأسور في قفصه
والطائر
الحر في غابته
التقيا
في الوقت الذي حدده القدر
فقال
الطائر الحر: تعال يا حبيبي،
ولننظر
جميعا إلى الأدغال،
فأجابه
الطائر المأسور متوسلا:
ابق
معي، ولنعش جميعا في هذا القفص،
فقال
طائر الغابات: ليس بين قضبان
القفص
محل لنشر أجنحتي،
فأجاب
سجين القفص: وا أسفاه ليس في السماء
محل
أستطيع أن أقف عليه.
* نشر
المقال بجريدة الأحداث المغربية يوم الأربعاء 4 فبراير 2004.
وإن كان في بعض ما قلته صحة، لكن أسلوبك المبالغ فيه وحنقك على الطرف الآخر أعمى عينيك للأسف، لذا فإن ما أوردته يجلي للقارئ مقدار تعنتك أكثر مما يبين الخطأ في المواد
ردحذفوشكرا