البنوك الإسلامية
6/10
عبد الواحد بنعضرا
هذا الاختلاف بين المالكية والحنفية في الأخذ بالحيل، هل يعود
فقط إلى اختلاف المذهبين أم أساسا إلى اختلاف اجتماعي بين المنطقتين حيث ينتشر
المذهبان، أي العراق بالنسبة للمذهب الحنفي والمغرب والأندلس بالنسبة للمذهب
المالكي؟ والجواب نجده عند ابن خلدون، فالبداوة كانت من أهم العوامل التي جعلت أهل
المغرب والأندلس يختصون بالمذهب المالكي حسب ابن خلدون : «فالبداوة كانت غالبة على
أهل المغرب والأندلس ولم يكونوا يعانون الحضارة التي لأهل العراق، فكانوا لأهل
الحجاز أميل لمناسبة البداوة، ولهذا لم يزل المذهب المالكي غضا عندهم ولم يأخذه
تنقيح الحضارة وتهذيبها كما وقع في غيره من المذاهب». (مقدمة ابن خلدون، دار الجيل
بيروت [د. ت]، ص. 498).
فتعقد الحياة في العراق والتي يفرضها تطور الحضارة يفرض إيجاد مخارج
وتبريرات، ولهذا اشتهر المذهب الحنفي بـ «الحيل» وعبارة ابن خلدون (يعانون
الحضارة) عبارة دقيقة جدّاً، لأن الحضارة تطرح مشاكل تفرض إيجاد حلول لها مقارنة
مع «بساطة» مشاكل البداوة، غير أن كلام الشاطبي يوحي بأن هناك تعاملات جديدة بدأت
تنتشر في المغرب والأندلس وإن لم تصبح بعد أمراً واقعا، ومع ذلك أليست «مقاصد
الشريعة» والتي خصص لها الشاطبي - الذي يعد مجدد أصول الفقه عند السنة- الجزء
الثاني بكامله من كتابه: «الموافقات في أصول الشريعة» بابا من أكبر أبواب الحيل
الفقهية، ولكن هذه المرة من داخل المذهب المالكي ؟
11ـ المضاربة
لقد استعمل إذن الجيل الثاني من البنوك الإسلامية شعارات
«المضاربة» و«المرابحة» خلافا للجيل الأول الذي ظل يرفع شعار «البركة» إلى أن
أفلست وهرب أصحابها.
في برنامج الشريعة والحياة ليوم 27 مارس 2005 استعرضت مقدمة
الحلقة خديجة بنقنة بعض الأرقام حول هذه البنوك، ومما جاء في كلامها : «كما أشارت
إحصائيات الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية عام 1998 إلى النمو السريع للمصارف
الإسلامية خلال عقدين من الزمن حيث كانت نهاية السبعينات خمسة بنوك فقط وصلت
بنهاية عام 1998 إلى مائة وستة وسبعين مصرفا إسلاميا بإجمالي أصول قدرها مائة
واثني عشر مليار دولار وحقوق مساهمين بأكثر من سبعة مليارات وبمعدل سنوي بلغ 15%
سنويا، ووصل عدد البنوك الإسلامية اليوم إلى أكثر من ثلاثمائة وسبعين بنكا إسلاميا
مستقلا دون الحديث عن فروعها أو الفروع التي تعد بالآلاف» . (نقلا عن الموقع
الإلكتروني لقناة الجزيرة القطرية).
فإلى أي شيء يعود استمرار الجيل الثاني من البنوك الإسلامية ؟ هذا ما سنكتشفه في ثنايا هذه الدراسة، وسأشرع في تناول موضوع المضاربة الآن على أن أدرس لاحقا موضوع المرابحة.
فإلى أي شيء يعود استمرار الجيل الثاني من البنوك الإسلامية ؟ هذا ما سنكتشفه في ثنايا هذه الدراسة، وسأشرع في تناول موضوع المضاربة الآن على أن أدرس لاحقا موضوع المرابحة.
في انتقاده للمدافعين عن البنوك التقليدية بكونها تتعامل
بالمضاربة، يرد القرضاوي بما يلي : «وإذا شرط على المضارب أن يضمن مال المضاربة،
فسد عقد المضاربة وفقد شرعيته. ومما لا نزاع فيه أن البنك ضامن للمال الذي يقبضه،
فكيف يكون أمينا وضامنا في الوقت ذاته ؟ كما أن عقد المضاربة الشرعي يقتضي كذلك
اشتراك الطرفين في المغنم والمغرم -أي الربح والخسارة- ولا ينفرد أحدهما بربح
مضمون ومال معلوم، على حساب الطرف الآخر. فالمطلوب إذن أن يكون نصيب كل منهما من
الربح جزءا شائعا، أي نسبة مئوية مثلا، واستدل الفقهاء لذلك بما فعله النبي في
مزارعته لأهل خيبر على جزء شائع مما يخرج من الأرض، قالوا : وأي ضمان في المضاربة
لمقدار معلوم من المال لرب المال أو المضارب يفسد المضاربة وينقلها من دائرة الحل
إلى دائرة الحرمة».
(يوسف
القرضاوي، فوائد البنوك هي الربا الحرام، مكتبة وهبة، القاهرة، 2001، ص. 60-59).
يحدد القرضاوي
المضاربة في أمرين اثنين : ألا يكون البنك ضامنا، بل أمينا ومعناه أنه إذا ضاعت
أموال المودعين أو حدث لها تلف أو خسارة، فإن البنك ليس مسؤولا عن تعويضهم مادام
لم يقصد الخسارة وليس هناك تلاعب. أما النقطة الثانية فهي اشتراك طرفي المضاربة في
المغنم والمغرم دون أن ينفرد أحدهما بالربح على حساب الآخر -وبالتالي وجوب تحديد
نسبة مئوية للأرباح وليس قدرا معلوما- والسؤال : هل هذا هو الوجه الوحيد للمضاربة
أم أن هناك وجها آخر أخفاه القرضاوي ؟ وإذا كان هذا هو الوحيد، فمن الذي قرّر أنه
كذلك ؟ أمّا القرآن فلا يتحدث عن المضاربة، وأمّا هذا النوع من التعامل فقد رأينا
من قبل أنه تعامل ما قبل إسلامي، فكيف تم إلباسه لبوس الدين ؟ ثم أية علاقة توجد
بين النوع البسيط القائم بين شخصين -فردين- وبين التعامل الحالي للأبناك الإسلامية
والذي يطلقون عليه أيضا اسم المضاربة مع أنه تعامل بين مال ومال دون اعتبار
للأشخاص ؟
ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن هذه البنوك الإسلامية قلما تأخذ
بهذا النوع من التعامل، وهذا ما اعترف به سامي حمود -أعيد التذكير أنه من المؤسسين
والمنظرين للبنوك الإسلامية- وهو يتحدث عن موضوع رسالته للدكتوراه والذي كان له صدى،
إلا أنه كما ذكر سامي حمود : «كانت النتيجة أن وجدت فيه البنوك الإسلامية مادتها
للتطبيق لكنهم سامحهم الله أغرقوا في المرابحة ونسوا أني تحدثت عن المضاربة وعن
المشاركة المتناقضة، من تمليك الطاكسي وتمليك المستشفى والمصنع، وقالوا إن الدكتور
سامي هو الذي تحدث عن المرابحة، إن كنت علمت الناس زراعة العنب فإني لم أعلمهم
صناعة الخمر».
(سامي حمود : فعالية التمويل الإسلامي، ص. 78).
(سامي حمود : فعالية التمويل الإسلامي، ص. 78).
12ــ وجهة نظر أخرى:
قال الكمال بن الهمام -صاحب فتح القدير- : عقد المضاربة يفسد باشتراط دراهم مسماة لأحد المتعاقدين، والحكم في كل موضوع لا تصح فيه المضاربة، وجوب أجر المثل للعامل، والربح لرب المال لأنه نماء ملكه، ولا يتجاوز بالأجر القدر المشروط عند أبي يوسف خلافا لمحمد [بن الحسين الشيباني]. وفي كتاب الأم قال الشافعي : كل قراض - أي مضاربة- كان في أصله فاسداً، فللمقارض العامل فيه أجر مثله، ولصاحب المال، المال وربحه ...».
(محمد سيد طنطاوي، معاملات البنوك وأحكامها الشرعية، دار نهضة مصر، 1998، ص. 103).
* نشر الجزء السادس بجريدة الأحداث المغربية يوم الاثنين 7 غشت 2006
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق