إطلالة على كتاب : "العرب، وجهة نظر يابانية"1/2
عبد الواحد بنعضرا
بدأت علاقتي بالثقافة اليابانية في الماضي مع رواية
بعنوان"التاريخ السري لأمير موساشي" حينها اكتشفت ثقافة أخرى مغايرة
لثقافتنا وللغرب، بعدها سيكون لي موعد مع رواية "النائمات الجميلات"...
وكل مرة أكتشف عنصرا جديدا في الثقافة اليابانية.
هذه
المرة سألتقي بعمل من نوع آخر، له أهميته، فما بين الكتابات العجائبية للغرب وبرودة الدراسات الانتربولوجية الكلاسيكية التي
تنفلت منها حرارة الموضوع، وبين تبلد الإحساس لدينا حتى نكاد نتعايش مع الفساد ولا
نعيره كبير اهتمام، بالذات في تمفصل هذه العناصر يستقر كتاب نوبوأكي نوتوهارا،
فخلافا للنظرة الاستعلائية للغرب، نجد تواضعا من الكاتب، وتعبيرا عن كون قراءته
هذه هي بالأساس نتيجة مشاهدة عن قرب وليس دراسة علمية أكاديمية، إنها مرآة نرى
فيها وجوهنا. تبلد الإحساس قد يمنعنا من الاستمتاع بجمالية الشمس أو منظر الغروب،
إنه التعود على الأشياء حدّ فقداننا الإحساس بروعتها أو سحرها، أو بالمقابل
بشاعتها أحيانا !
ينبّه المؤلف
إلى أنه من بين الأسئلة التي كان يصادفها أينما حلّ وارتحل في العالم العربي،
سؤال: العلاقة بين اليابان والولايات المتحدة الأمريكية؟ جواب المؤلف أن
اليابانيين يرون خطأهم ويعملون على تجاوزه، فبالنسبة لهم هم من اعتدى أوّلا على
الصين والشعوب الأسيوية، وبالتالي فلهم نصيب مما وقع، صحيح أن الناس تألمت لما وقع
ولكن المهم معرفة الخطأ وتجاوزه. يسجل المؤلف أن العرب يتعاملون مع مجموعة من
القضايا بعاطفة مفرطة.
من الملاحظات التي يسجلها المؤلف، أن الإنسان الياباني
في تحليله لقضية ما يعمل على القيام بشيئين: الانطلاق من الواقع، ثم دراسة القضية
بشكل متكامل دون فصل أجزائها عن بعضها، خلافا للإنسان العربي الذي يعتبر أن القرآن
يحتوي على كل المعرفة وبالتالي فهو يعمل ــ بمعنى من المعاني ــ على تكييف الواقع
مع ما يتصوره هو الحقيقة، وليس العكس فهو لا ينطلق من الواقع، وبالتالي فهو لا
يستطيع إيجاد حلول مناسبة.
يلاحظ المؤلف أن لدينا إفراطا في استعمال الديمقراطية! الواقع: لا وجود لها في
العالم العربي في ظل أنظمة تسحق الفرد، وحيث: "المعيار الوحيد لكرامة المواطن
ووطنيته هو مقدار ولائه للحاكم وطاعته له والتسبيح بحمده في جميع الأوقات والظروف
والمناسبات وهذا كله غريب علينا نحن اليابانيين في الوقت الحاضر على الأقل"
(ص. 37). الإنسان العربي مقموع جدا على كافة المستويات ! النتيجة: تدميره لكل المنشآت العمومية إذ يعتبرها غريبة عنه فهي
في ملك من يتسبب في قمعه؛ هكذا يظن العربي، يقول المؤلف: "في عاصمة عربية
ذهبت لأزور صديقا عربيا. وصلت إلى الحي الذي يسكنه فاجأتني القاذورات وفضلات
الطعام وكافة أشكال النفايات وأكياس الزبالة. كانت منشورة بعشوائية على الأرض،
والشارع والزوايا. على أي حال، وصلت إلى البناية التي يسكن فيها ذلك الصديق.
المدخل كان قذرا والدرج أيضا ولكن لدهشتي فقد وجدت عالما آخر خلف باب صديقي. كان
البيت نظيفا للغاية وكان مرتبا وأنيقا ومريحا. لقد فهمت أن كل ما يخص الملكية
العامة يعامله الناس كأنه عدو فينتقمون منه ولذلك نجد المقاعد في الحدائق العامة
مكسرة أو مخلوعة ونجد معظم مصابيح الشوارع محطمة. كما أن دورات المياه العامة قذرة
بصورة لا توصف. وحتى المباني الحكومية فقد لحق بها كل أنواع التخريب الممكنة. لقد
فكرت طويلا في ظاهرة تخريب الممتلكات العامة وفهمت أن المواطن العربي يقرن بين
الأملاك العامة والسلطة وهو نفسيا في لا وعيه على الأقل ينتقم سلبيا من السلطة
القمعية فيدمر بانتقامه وطنه ومجتمعه بدلا من أن يدمر السلطة نفسها" (ص. 31
ــ 32). ويوضح المؤلف، بأن هذه المظاهر اختفت من اليابان، وإن كان الأمر قد تطلب
وقتا طويلا، سنوات بعد الحرب العالمية
الثانية، ولكن المهم أنها اختفت من اليابان.
ملاحظة:
قد نفهم مع المؤلف نوبوأكي نوتوهارا، لماذا ينحصر الواجب عند "العرب" في
الواجب الديني فقط: أداء الصلوات، الصيام، الحج... دون الاهتمام بأي واجب آخر أو
مسؤولية تجاه الوطن !!
يُصدم المؤلف
ببعض الأشياء في العالم العربي، مثل تعامل القائمين في المطارات مع المسافرين،
وغطرسة رجال الأمن: "ولكن ما لا أفهمه ذلك التعالي وتلك الغطرسة خاصة من
المسؤولين الكبار كضباط الشرطة أو الأمن لا أعرف. إن الأمر يستغرق ساعات أحيانا
بين وقوف وتفتيش ومراجعات. تلك صورة مؤلمة تفضح النظام بكامله. أعني النظام
السياسي والاجتماعي والأخلاقي وتبين كيف يتلازم القمع مع عدم الشعور بالمسؤولية
تجاه سمعة الوطن وتجاه الآخر كإنسان صاحب كرامة" (ص.33).
إطلالة على كتاب : "العرب، وجهة نظر يابانية"2/2
عبد الواحد بنعضرا
كما
صُدم بظاهرة الرشوة وخمّن أنها ربما تكون ظاهرة عامة، وهذا ما زاد في صدمته. وبأن
روح المسؤولية غائبة، بل لقد وصلت صدمته درجة كبرى حينما عرض عليه أحدهم شراء قطعة
أثرية: "لقد كان يعرض علي أن أشتري سرّا بالطبع قطعا أثرية. لم أصدق أذني في
البداية ولكنه أكد لي بوضوح أنه يستطيع أن يؤمّن لي قطعا نادرة، ولم ينس أن يؤكد
أننا لن نختلف على السعر. حتى الآن أنا لا أستطيع أن أصدق أن موظفا اختاره وطنه
ليحرس آثاره ومع ذلك فإنه يخون ضميره وشرفه وتاريخه ويبيع آثارا تركها أجداده منذ
آلاف السنين !
(...) شيء لايصدق"(ص. 41).
تكلم المؤلف عن أشياء كثيرة على سبيل المقارنة بين مكانة
الأستاذ في الدولة العربية وبين مكانته في اليابان؛ حيث يحظى بنوع من التقديس إذ
مهما وقع لا يمكن التضييق عليه أو فصله من عمله حتى لو اجتمع البرلمان لذلك، فهو
خط أحمر، لأنه المستأمن على مستقبل اليابان: "والمعلم محمي بقوة القانون وقوة
تقدير المجتمع" (ص. 44). وعموما فالنظام التعليمي في اليابان يشجع المواهب،
خلافا للعالم العربي الذي يقبر المواهب.
لاحظ المؤلف أن هناك ثالوثا محرما من الطابوهات: الجنس،
الدين، السياسة.
سأترك
لمن أثاره هذا الكتاب مجالا واسعا يكتشفه من خلال اطلاعه الشخصي، وسأستعرض بعض
ملاحظات الكاتب عن الحقل السياسي بالعالم العربي: فمن ذلك أن العالم العربي لا
يوجد فيه انتقاد للحكام، أن الحاكم يعمر طويلا سواء كان ملكا أو رئيسا، سيان في
ذلك، خلافا لليابان حيث الامبراطور لا سلطة له، بينما لا تتجاوز مدة حكم رئيس
الوزراء سنتين فقط ! ولا يحق له بعدها العودة إلى نفس المنصب، وبذلك يقول المؤلف نضمن
عدم وجود الاستبداد.
مما
صدم المؤلف أن الحاكم العربي يخاطب شعبه بكلمة: أبنائي وبناتي، وهذا ما لا يمكن أن
يقبل به ياباني، لأن السلطة ليست جزءا من بيت أو أسرة الحاكم، فضلا عما يحكم هذا
المنطق من وصاية واستبداد (ص. 38).
ومن
الملاحظات التي أبداها المؤلف أن جزءا كبيرا من المعارضة في العالم العربي تستنكر
على السلطة ما تمارسه هي الأخرى بدورها: "فكرة التأبيد لا تقتصر على رجل
السلطة الكبير وإنما تشمل قادة الأحزاب التي يفترض أنها في المعارضة والأحزاب
المعارضة من المفترض أن تحمل مشروعا مناقضا لمشروع السلطة القائمة ومختلفا عنه
وإلا فإن المعارضة تصبح سلطة تنتظر دورها في السيطرة على الحكم استلاما يؤبد
المشروع السائد" (ص. 51).
كما
صدم الكاتب وجود كاتب يمدح الحكام، لأن الكاتب بالنسبة لليابانيين مهمته الدفاع عن
قضايا الإنسان وليس التملق للحكام: "إن عقولنا في اليابان عاجزة عن فهم معنى
أن يمدح الشاعر أو الكاتب السلطة أو أحد أفراد السلطة. هذا ليس موجودا عندنا على
الإطلاق. نحنن نستغرب ظاهرة مديح الحاكم كما نستغرب رفع صوره في أوضاع مختلفة وكأنه
نجم سينمائي أو مطرب ذائع الصيت(...) عندنا ننتظر من الكاتب أن يساعدنا ويعلمنا
ولا يخطر لنا على بال أن كاتبا قد يمدح الحاكم. فكيف إذا عرفنا أنه مدح الرئيس
أنور السادات رئيس جمهورية مصر العربية ومدح الملك الحسن ملك المملكة المغربية
والرئيس حافظ الأسد رئيس الجمهورية العربية والسورية والملك حسين ملك المملكة
الأردنية الهاشمية والرئيس صدام حسين رئيس جمهورية العراق ! نحن لا نفهم كيف يمكن
لشاعر كبير أن يمدح أولئك القادة في آن واحد" (ص.53 ).
وأختم بملاحظة
المؤلف الآتية: "إنني شبعت جدا من كلمة "الديمقراطية"، وكل من له
علاقة بالكتّاب العرب يعرف معنى التخمة من كلمة "الديمقراطية" وهذا
الشبع الزائد الزائف يدل بوضوح على غياب الديمقراطية. فمثلا تجلس مع كاتب يتحدث عن
الديمقراطية بلا تعب ثلاث ساعات ولا يعطي مجالا لأحد من الحاضرين بالكلام. عمليا
هو يمارس الدكتاتورية أو على الأقل سلطة النجم ومع ذلك يشكو غياب الديمقراطية. أظن
أن هذا النوع من الكتاب يشكو من الحاجة لمنصب رفيع في السلطة." (ص. 52 ــ
53).
هذا جزء من كل لهذه التحفة التي طبعت سنة 2003، ولم أشر
إلا لنقاط قليلة منها، يمكن أن تحفز البعض لقراءة هذا الكتاب، بنسخته الأصلية
العربية، لأن المؤلف يتكلم اللغة العربية، ولعلنا أن نرى ما منعنا تبلد الإحساس من
رؤيته.
* نشر الجزء الأول من المقال بجريدة الأحداث المغربية يوم الأربعاء 9 أكتوبر 2013
ونشر الجزء الثاني يوم الخميس 10 أكتوبر 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق