البنوك الإسلامية
10/10
عبد الواحد بنعضرا
ــ اعتراض رابع:
يصر القرضاوي على أن تعامل البنوك
الإسلامية بالمرابحة ليس من نوع بيعتين في بيعة لأن هذا البيع الذي تجربه المصارف
الإسلامية: «بيع حقيقي لا صوري، ولا اسمي، وإن شئنا الدقة، قلنا إنها مواعدة على
بيع حقيقي لسلعة مطلوبة بالفعل، فلا وجه لإدخالها في بيعتين في بيعة، فإنما هي
بيعة واحدة». (القرضاوي، بيع المرابحة، ص. 53)
وهنا يأتي الاعتراض التالي: إذا كان الأمر فعلا يتعلق ببيع واحد: لماذا قسمت العملية إلى قسمين: وعد ملزم وبيع؟ في هذا الإطار يرد القرضاوي بما يلي: «والجواب ما ذكرناه من قبل، أن البيع إنما يتحقق إذا ملك المصرف السلعة وقبضها، حتى لا يبيع ما لا يملك، أما الوعد- وإن كان ملزما- فليس بيعا وهذا موضح في كتابنا» (نفسه، ص. 113).
إذا كان البنك يمتلك ما سيبيعه للآمر بالشراء، إذن هو ليس ملزما- مادام يقوم بدور البائع- أن يفرض على الزبون الشراء، فهل رأيت بائعا ينادي على زبون أو مشتر ويفرض عليه أن يبيع له، وكما لا حظ رفيق المصري: «لايمكن إذن القول أن كل وعد يكون ملزما على الإطلاق، ونذكر بالإضافة إلى ما سبق، أن المتبايعين في مجلس العقد قد يعقدان البيع، فهذا عقد، أي أكثر من وعد، أي وعدا ملزما من حيث المبدأ، إلا أن الشارع أعطى لهما خيار المجلس، يقول (ص): «البيعان بالخيار مالم يتفرقا» (متفق عليه) وقد بين هذا مشكورا عبد الله العبادي في مجلة منار الإسلام (العدد السادس 1985 ص: 56)...» (رفيق المصري، معطيات سابقة، ص. 98).
وهنا يأتي الاعتراض التالي: إذا كان الأمر فعلا يتعلق ببيع واحد: لماذا قسمت العملية إلى قسمين: وعد ملزم وبيع؟ في هذا الإطار يرد القرضاوي بما يلي: «والجواب ما ذكرناه من قبل، أن البيع إنما يتحقق إذا ملك المصرف السلعة وقبضها، حتى لا يبيع ما لا يملك، أما الوعد- وإن كان ملزما- فليس بيعا وهذا موضح في كتابنا» (نفسه، ص. 113).
إذا كان البنك يمتلك ما سيبيعه للآمر بالشراء، إذن هو ليس ملزما- مادام يقوم بدور البائع- أن يفرض على الزبون الشراء، فهل رأيت بائعا ينادي على زبون أو مشتر ويفرض عليه أن يبيع له، وكما لا حظ رفيق المصري: «لايمكن إذن القول أن كل وعد يكون ملزما على الإطلاق، ونذكر بالإضافة إلى ما سبق، أن المتبايعين في مجلس العقد قد يعقدان البيع، فهذا عقد، أي أكثر من وعد، أي وعدا ملزما من حيث المبدأ، إلا أن الشارع أعطى لهما خيار المجلس، يقول (ص): «البيعان بالخيار مالم يتفرقا» (متفق عليه) وقد بين هذا مشكورا عبد الله العبادي في مجلة منار الإسلام (العدد السادس 1985 ص: 56)...» (رفيق المصري، معطيات سابقة، ص. 98).
إن إلزام الآمر بالشراء- رغم أن البنك هو الذي يمتلك البضاعة - معناه
أن البنك على الحقيقة لا يملك شيئا بل هو وسيط بين البائع الحقيقي والمشتري، وذلك
من أجل التحايل فقط..
وطبعا نفهم جيدا لماذا يصر القرضاوي على إلزامية الوعد، إن البنوك الإسلامية غير مستعدة أبدا لتلعب دور البائع فليست أكثر من مقرض بالفائدة، وإذا لم يكن الوعد ملزما فستفلت من البنك إمكانية التحايل ولن يبقى أمامه إلا التعامل بالصورة التقليدية أي تقديم قرض للعميل بفائدة واضحة، وفي هذه الحالة سيفقد البنك الإسلامي دعما هاما بل سببا رئيسيا في استمراره اليوم هو الغطاء الأدلوجي وتزييف الوعي الذي يجعل كثيرا من العملاء والزبناء يصدقون أن هناك بنوكا إسلامية وبنوكا ربوية، وأن هناك أناسا ليس لهم من هم أو شاغل إلا الغيرة على الدين. ومن المفيد أيضا أن نقدم هذه الملاحظة التي ذكرها رفيق المصري في إطار نقده لدفاع القرضاوي عن إلزامية الوعد: «أطال الدكتور القرضاوي في الدفاع عن أن الوعد ملزم (ص: 62 و 81) [ط الكويت] ونحن لا نخالف في الجملة في هذا، ولا يحتاج الأمر إلى إطالة النفس، إنما نحن محتاجون للتوقف طويلا عند تجزئة العملية إلى جزءين: وعد وبيع، ثم الاستعانة بإلزامية الوعد بما يؤدي إلى الغرر أو الجهالة في البيع.. فالحق أن الأستاذ القرضاوي إذا كان ممن يرى أن الوعد ملزم، فيوافق بعض العلماء في هذا ويخالف آخرين، فمن مقتضى مذهبه أن لا يدخل هذا الوعد على العملية أبدا، لأن الإلزام فيها يجعلها حراما، ولو كان مذهبنا بالإلزام عموما لوجب هنا عدمه خصوصا، لأن الوعد إذا أدى إلى حرام فهو حرام مثله». (نفسه، ص. 97).
وطبعا نفهم جيدا لماذا يصر القرضاوي على إلزامية الوعد، إن البنوك الإسلامية غير مستعدة أبدا لتلعب دور البائع فليست أكثر من مقرض بالفائدة، وإذا لم يكن الوعد ملزما فستفلت من البنك إمكانية التحايل ولن يبقى أمامه إلا التعامل بالصورة التقليدية أي تقديم قرض للعميل بفائدة واضحة، وفي هذه الحالة سيفقد البنك الإسلامي دعما هاما بل سببا رئيسيا في استمراره اليوم هو الغطاء الأدلوجي وتزييف الوعي الذي يجعل كثيرا من العملاء والزبناء يصدقون أن هناك بنوكا إسلامية وبنوكا ربوية، وأن هناك أناسا ليس لهم من هم أو شاغل إلا الغيرة على الدين. ومن المفيد أيضا أن نقدم هذه الملاحظة التي ذكرها رفيق المصري في إطار نقده لدفاع القرضاوي عن إلزامية الوعد: «أطال الدكتور القرضاوي في الدفاع عن أن الوعد ملزم (ص: 62 و 81) [ط الكويت] ونحن لا نخالف في الجملة في هذا، ولا يحتاج الأمر إلى إطالة النفس، إنما نحن محتاجون للتوقف طويلا عند تجزئة العملية إلى جزءين: وعد وبيع، ثم الاستعانة بإلزامية الوعد بما يؤدي إلى الغرر أو الجهالة في البيع.. فالحق أن الأستاذ القرضاوي إذا كان ممن يرى أن الوعد ملزم، فيوافق بعض العلماء في هذا ويخالف آخرين، فمن مقتضى مذهبه أن لا يدخل هذا الوعد على العملية أبدا، لأن الإلزام فيها يجعلها حراما، ولو كان مذهبنا بالإلزام عموما لوجب هنا عدمه خصوصا، لأن الوعد إذا أدى إلى حرام فهو حرام مثله». (نفسه، ص. 97).
ــ اعتراض خامس:
في إطار نقد ما تؤدي إليه إلزامية
الوعد في البيع ما ذكره رفيق المصري من أن : «بيع المرابحة مع الملزم يفضي إلى بيع
مؤجل البدلين، وهذه الشبهة لم يوردها الأستاذ القرضاوي في كتابه، فلا المصرف يسلم
السلعة في الحال، ولا العميل يسلم الثمن، وهذا ابتداء الدين بالدين، أو الكالئ
بالكالئ، الذي أجمع الفقهاء على النهي عنه مع ضعف الحديث الوارد فيه. اللهم إلا أن
يجتمع الثلاثة (المصرف، والمشتري والبائع، أو ممثل عن كل منهم) في مجلس واحد،
فيدفع المصرف الثمن النقدي إلى البائع، ويسجل الثمن المؤجل بذمة المشتري، فهذا ربا
واضح بتواطؤ الثلاثة». ( رفيق المصري، معطيات سابقة، ص. 96-95).
وكما لم يتطرق القرضاوي إلى هذه الشبهة
في طبعة كتابه الأولى، فإنه اكتفى في الردّ على هذه الشبهة هنا بكلام يدور في حلقة
مفرغة، إذ أجاب عن هذا الاعتراض بما يلي : «إن البيع ليس مؤجل البدلين، فإن الذي
يحدث أولا بين العميل والمصرف وعد لا بيع، إنما يحصل البيع عند تملك المصرف السلعة
المأمور بشرائها وحيازتها، وعندئذ يتم تسليم المبيع وتأجيل الثمن كله أو بعضه».
(القرضاوي، بيع المرابحة، ص. 112). وهذا كلام سبق أن رددنا عليه، وهو يوضح إلى أي
درجة بلغ تهافت خطاب القرضاوي وإلى أي حدّ يصل التحايل في هذه العملية المسماة
«بيع المرابحة كما تجربه المصارف الإسلامية».
وبعد، فبالنظر إلى هذه الاعتراضات
السابقة ألا يظهر لنا أن القرضاوي - ومن الناحية الفقهية- قد وقع في الشبهات وقد
كان حرياً به أن ينأى بنفسه وبالمسلمين عن كل أمر فيه لبس واختلاف كثير ومحل شبهات
كثيرة .. ولقد سبق للقرضاوي، وهو يعترض على موقف سيد طنطاوي في موضوع شهادات
الاستثمار، أن ثمّن ووافق على موقفه من ضرورة اتقاء الشبهات، وكان مما كتبه
القرضاوي : «وقد أصاب المفتي بذكر هذه القاعدة والاستدلال بهذا الحديث، وبالحديث
الآخر المشهور أيضا : (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) وفسره بقوله : أي اترك ما تشك
في كونه حراما، وخذ ما لا تشك في كونه حلالا، ومقتضى تطبيق هذه القاعدة أن يترك
المسلم التعامل بهذه المعاملات المعجونة بالربا ...». (القرضاوي، فوائد البنوك، ص.
91). أما كان أولى بالقرضاوي أن يعود لكلامه هذا وأن ينأى بنفسه عن الشبهات كمسلم
حريص على دينه ؟ بيد أنه إذا ظهر السبب بطل العجب !!
وقبل أن أمر إلى خاتمة هذه الدراسة أود
الإشارة إلى ما تكبده البنوك الإسلامية من خسائر للدول «الإسلامية» المحتضنة لها،
وإذا كانت الأرقام مازالت غير كافية بالنسبة للجيل الثاني من هذه الأبناك، فإن
الجيل الأول من البنوك الإسلامية تسبب بضربة موجعة للاقتصاد المصري وهو يحرمه من
ودائع مهمة بحيث - وبفضل الغطاء الأدلوجي الديني وأيضا وهذا لا يجب إغفاله بالنسبة
للمودعين الرغبة الشرهة في الربح السريع- أن ما جمعته البنوك الإسلامية من سيولة
مهمة من لدن المودعين معناه حرمان الدولة المصرية من سيولة مالية سواء من أجل
الإنتاج والاستثمار أو من أجل ردّ الديون، علما بأن هذه الأبناك كانت تهتم بتجارة
العملة والمضاربة في الأسعار على حساب الاهتمام بالاستثمار الإنتاجي وبالتالي
إخراج وتسريب مبالغ مهمة من مدخرات وودائع المودعين من مصر - وهي في أمس الحاجة
إليها- إلى الخارج.
21ـ خاتمة
يعود استمرار الجيل الثاني من البنوك الإسلامية - خلافا للجيل
الأول الذي أفلس- إلى عاملين أساسيين، بالإضافة إلى كونها تنخرط في النظام المصرفي
الدولي الحديث الذي تعمل من خلاله البنوك التقليدية الرأسمالية :
- العامل
الأول : لا تتعامل هذه البنوك إلا في ما هو مضمون فيه الربح بل ومؤكد على الدوام،
وهذا يطرح إشكالا واعتراضا آخر، إذ أن بعض الفقهاء - والقرضاوي منهم- يشترطون لمثل
هذه التعاملات أن يكون فيها عنصر المخاطرة، بيد أنها غير متوفرة في هذه التعاملات،
فالبنك هنا ضامن على كل حال أن يكون رابحا، إذ أنه يفرض على العميل وعدا ملزما
بالشراء مع أنه لا معنى للوعد أن يكون ملزما وإلا صار بيعا، وهذا طبعا يجعل الموقف
الأدبي للبنك الإسلامي مكشوفا للغاية، ويسقط بالتأكيد القناع الأخير، فالبنك إذن
ضامن على كل حال أن يأخذ حصته من الفائدة/الربح بوعد الإلزام هذا وبالتالي فهذه
الأبناك تنأى بنفسها عن كل ما فيه مغامرة، مع الإشارة إلى أن استثماراتها
-الإنتاجية- يشوبها الغموض من حيث المعطيات اللازم توفرها لتقييمها.
- العامل
الثاني : وقد كان متوفرا للجيل الأول أيضا، وهو المتعلق بالغطاء الأدلوجي الديني،
غير أنه بالنسبة للجيل الثاني أكثر دعما وفعالية، خصوصا مع انتشار عملية غسيل
الدماغ الإعلامية الخليجية للشعوب المسلمة، بل يكاد هذا العامل أن يكون هو العامل
الأهم لاستمرار هذه البنوك إلى حين، إذ أنه مع هذا الاستمرار لا شيء يمنع أن تقع
في مشكلات كبيرة في حالة ما فقدت هذا الدعم الأدلوجي الديني.
ولعل تحذير
القرضاوي يحبل بكثير من الدلالات : «كما أؤكد التنبيه على أن بعض الموظفين في
البنوك الإسلامية لا يطبقون بيع المرابحة وشروطه، كما قررتها فتاوى هيئات الرقابة
الشرعية، ومؤتمرات المصارف الإسلامية، وهؤلاء يتحملون المسؤولية أمام الله تعالى
أولا، ثم أمام كل من له ولاية الرقابة والتفتيش والتأديب في البنوك الإسلامية».
(القرضاوي، بيع المرابحة، ص. 117).
ولعله إذا
وقعت الواقعة وحصل المحظور أن تعلق الأخطاء على هؤلاء الموظفين الصغار، كأن هذا
استباقا من القرضاوي للأمور ورفعا للمسؤولية من كل ما قد يقع من كوارث ؟!...
وأخيرا، لطالما ردّد القرضاوي في كثير من المناسبات بأن العبرة بالمضمون وليس بالشكل، وبالمسميات وليس بالأسماء، وكان مما ذكره في هذا الشأن : «هذه هي عناصر العملية التي اشتهرت باسم «بيع المرابحة» وأنا لا أقف عند التسمية كثيرا، لأنه لا عبرة بالأسماء، إذا وضحت المسميات». (نفسه، ص. 29).
وأخيرا، لطالما ردّد القرضاوي في كثير من المناسبات بأن العبرة بالمضمون وليس بالشكل، وبالمسميات وليس بالأسماء، وكان مما ذكره في هذا الشأن : «هذه هي عناصر العملية التي اشتهرت باسم «بيع المرابحة» وأنا لا أقف عند التسمية كثيرا، لأنه لا عبرة بالأسماء، إذا وضحت المسميات». (نفسه، ص. 29).
أما كان أحرى
أن يختار القوم أسماء تبتعد عن استغلال الدين، حتى إذا ما فشلت هذه الأبناك نأت عن
إلصاق هذه الأخطاء بالدين نفسه وأبعدته عن أن يكون لعبة رخيصة في أيدي أصحابها، بل
إن القرضاوي ذهب أبعد من هذا حين أشار إلى أنه يحق أن : «نطلق عليها إذا شئنا اسما
جديدا، وأن نعتبرها - بمجموع عناصرها- صورة جديدة من معاملات هذا العصر». (نفسه، ص.
29).
ومع هذا فإنهم يصرون على أن يعتبروا بنوكهم إسلامية
وأن تعاملاتها تعاملات إسلامية...!! * نشر هذا الجزء العاشر والأخير من هذه الدراسة بجريدة الأحداث المغربية يوم الجمعة 11 غشت 2006
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق