السبت، 2 أغسطس 2014

البنوك الإسلامية، 9/10، بقلم عبد الواحد بنعضرا*



 البنوك الإسلامية
9/10 
عبد الواحد بنعضرا

ــ اعتراض ثاني
يلاحظ أن المدافعين والمنظرين للبنوك الإسلامية قلما، بل نادرا ما يتطرقون لعلاقة هذه البنوك بالمودعين ويتركز الحديث فقط عن علاقة البنوك بالمقترضين أو العملاء، حتى أن القرضاوي لم يتطرق للمودعين إلا في آخركتابه «بيع المرابحة»، وفي إطار دفاعه عن اهتمام البنوك الإسلامية بالربح، وهذا كلامه: «والمساهمون والمودعون في المصرف أيضا أناس يريدون أن تنمو أموالهم وتربح ودائعهم وأسهمهم، ويعود إليهم عائد ينتفعون منه، ولهذا لا ينبغي لمسلم منصف عاقل، يعرف المجتمع وما يمور به من تيارات، وما يحرك أهله من دوافع، أن يطالب المصرف الإسلامي ألا يهتم بالربح لمساهميه ومودعيه، وأن يصنع له مجتمعا مثاليا مستقلا يزرع ويصنع ويعدن ويرعى وإن لم يربح شيئا!». (القرضاوي، بيع المرابحة، ص. 84)
أما هذا فهو شيء متوقع وقد علمنا أن العملية ماهي إلا تجارة في تجارة - وعلى أي حال هذا حق للجميع- لكن المشكل عندما يتقنع هؤلاء بالدين ويلبسون على الناس أمورهم، نفهم إذن أن عدم تطرق القرضاوي لعلاقة المودعين بالبنوك ناتج عن إشكال يريد منه القرضاوي ألا يظهر على سطح النقاش فيهرب منه إلى الأمام دون الخوض في غماره، فالقرضاوي عندما يجعل تحريم الربا يقوم على أساس أنها ربح دون مجهود، لم يتحدث عن أموال المودعين والأرباح التي يجنونها - فنادرا، بل يكاد ينعدم أن يعلن بنك يقوم على أساس نظام مصرفي حديث إفلاسه- هل يجنونها من عمل يقومون به أو مجهود يبذلونه من أجل الربح؟ أبدا، ولهذا فالقرضاوي لا يتعرض لموضوع أموال وأرباح المودعين..
ومادام القرضاوي لا يخوض في هذا الأمر سألجأ إلى آخر لعلهم يبررون العملية، فانظر كيف يحاول أحدهم أن يستدرك على ذلك وهو الكاتب المعروف صبحي الصالح، والذي يرى بأن المودعين يقومون بجهد ما وعمل ما، كيف ذلك؟ هذا توضيح صبحي الصالح: «ولكي نوضح ما في توظيف رؤوس الأموال من جهد وعمل، نختار باب المضاربة التي يكتفي فيها أحد الشريكين بدفع مبلغ من المال على حين يقوم الشريك الآخر بكل العمل أو يقوم الأول بعمل القليل. صحيح في هذه المضاربة أن الجهد منتف أو شبه مفقود، ولكن العوض فيها موجود. إن صاحب المال يوظف هنا ماله بدلا من أن يجمده في الخزائن والصناديق، أو كما يجمده الرأسماليون في زماننا في المصاريف والبنوك، والمهم في الشريعة الإسلامية ألا يربح الإنسان شيئا من أخيه الإنسان إلا بشيء يدفعه في المقابل، وهو إما بعض ماله إن كان غنيا، وإما جهده الشخصي إن لم يكن ذا مال، وأحيانا يكون دفع المال أعون على تسيير الأعمال».
(صبحي الصالح، الإسلام ومستقبل الحضارة، دار الشورى، بيروت، ودار قتيبة، دمشق وبيروت، ط. الثانية، 1990، ص. 113).
إنه كالذي فسر الماء بعد الجهد بالماء، فلقد انتظرنا أن نفهم كيف يبذل المودعون الجهد ويقومون بالعمل فلم نجد توضيحا ولا تفسيرا، وإن كان الأمر يتعلق بأن الجهد يكفي فيه دفع مال ما، فإن المقرضين كيفما كان تعاملهم يدفعون إلى المقترضين أموالا، وكذلك البنوك مع عملائها وزبنائها، أي معناه أنها تبذل جهدا وتقوم بعمل على حد رأي صبحي الصالح..
ويا ترى هل الذين يجمدون أموالهم في البنوك يمنعونها عن الاستثمار أم أن البنوك تستغلها من أجل ذلك كما هو معلوم؟...
ويبقى أن أتساءل هل نسي القرضاوي أن كثيرا من الأبناء والبنات يرثون عن آبائهم وأمهاتهم ثروات - أحيانا- طائلة دون أن يقوموا بأي جهد، فهل هذا الميراث أيضا محرم خصوصا أن الأبناء لم يبذلوا جهدا للحصول على هذه الثروات بل جاءتهم هكذا بالانتقال من الأموات إلى الأحياء؟ لربما لو اتبعنا القرضاوي وأضرابه، لخرجنا بنظرية غير مسبوقة في الاقتصاد.



ــ اعتراض ثالث
من الانتقادات التي وجهت للبنوك الإسلامية كونها تتعامل بـ «المواعدة» على بيع المرابحة- كما رأينا سابقا في مثال صاحب المستشفى - وبأن هذه المواعدة نوع من أنواع بيوع «العينة» انطلاقا من كون المالكية قد ذكرت هذا النوع، أي المواعدة، ضمن بيوع العينة، وبكون أيضا بيوع العينة من التعاملات التي حرمها الفقهاء، وقد حاول القرضاوي أن يرد هذه الانتقادات تارة بكون الصورة التي ذكرها المالكية للعينة ليست من الأنواع المحرمة، وتارة بكون تعاملات البنوك الإسلامية لا تدخل تحت تعريف العينة ثم يختار من تعريفات العينة هذا التعريف: «والعينة أن يبيع شيئا من غيره بثمن معين (مائة وعشرون دينارا مثلا) إلى أجل (سنة مثلا) ويسلمه إلى المشتري، ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن أقل من ذلك القدر (مائة مثلا) يدفعه نقدا، فالنتيجة أنه سلمه مائة، ليتسلمها عند الأجل مائة وعشرين»(القرضاوي، بيع المرابحة، ص. 47).
برجوعنا إلى نموذج أجهزة المستشفى سنرى أن البنك الإسلامي ليس له غرض بالسلعة (الأجهزة) التي تملّكها قبل أن يبيعها للعميل بل غرضه هو المال، وبذلك يحق لي أن أتساءل إلى أي درجة ينطبق أو لا ينطبق بيع العينة على تعامل البنوك الإسلامية؟ ويضيف القرضاوي: «وكثيرا، ما يتخذ أهل الحيل هذا اللون من البيع الصوري ذريعة إلى أكل الربا المحرم ولا قصد في بيع ولا شراء! فهم يستحلون الربا باسم البيع، كما روي [في] بعض الأحاديث المرسلة والمقصود هو تسلف مبلغ من الدراهم أو الدنانير إلى أجل، ثم رده عند الأجل بأكثر منه، والسلعة الوسيطة ماهي إلا حيلة لإظهار الحرام في صورة الحلال فهذا النوع من التعامل يجب أن يحرم، لأنه بيع صورة لفظا، رباً نية وقصدا» (نفسه، ص. 47).
هناك ملاحظة لابد أن أؤكد عليها هي أننا عندما نناقش قضية البنوك - كيفما سمت نفسها وعلى اختلاف أنواعها - فإننا نستحضر مباشرة أن الأمر يتعلق بتعاملات مصرفية حديثة وبالتالي فكل أنواع التعاملات القديمة لا تنطبق عليها حتى ولو تمحل المتمحلون وحتى إن بدت الصورة متقاربة، بيد أنه كما سبق الذكر لا يمكن أن نقارن بين تعاملات فردية بين شخصين وبين تعاملات حديثة تتم بين مال ومال دون اعتبار الأشخاص. وعندما نتحدث عن الاقتصاد اليوم فإننا نتحدث عن علم يرتبط أيضا بعلوم أخرى كالجغرافية الاقتصادية والإعلاميات والرياضيات وبأشياء عديدة تجعل من هذا الميدان أي ميدان التعاملات البنكية ميدانا علميا وليس عشوائيا أو مثاليا أو أخلاقيا. وإذن عندما نتحدث عن بيع العينة ومدى تطابق التعاملات المصرفية للبنوك الإسلامية معه فمن منطلق كشف تهافت الخطاب الديني من داخل بنائه ومنطقه وبالتالي نلجأ إلى الفقه لا للبحث عن معرفة حكم هذه التعاملات هي حلال أم حرام بل مدى اتساق أو تناقض الخطاب الديني المعاصر وبالتالي تهافته.
وإذن فمن هذا المنطلق نتساءل أليست تعاملات البنوك الإسلامية تقوم باستعمال «السلعة الوسيطة» مداورة ومراوغة حتى لا تنعت بأنها تمارس ما تحرمه وما تسميه الربا، يرد القرضاوي بأنه في حالة البيع بالمرابحة فإن: «العميل الذي يجيء إلى المصرف طالبا شراء سلعة معينة يريد هذه السلعة بالفعل كالطبيب الذي يريد أجهزة المستشفى..» (نفسه، ص. 48). بيد أن القرضاوي غفل أو تغافل على أنه إذا لم تكن السلعة وسيطة فقط، فإن أحد العقدين - هناك عقد مواعدة وعقد بيع- يمثل دور الوسيط، وهو ليس إلا وسيلة لتغيير الصورة، وفي هذا الإطار يشير رفيق المصري إلى إحدى الشبهات الموجودة في بيع المرابحة وهي: «عقدين في عقد (بيعتين في بيعة). فقد نهى رسول الله عن بيعتين في بيعة (رواه الخمسة إلا ابن ماجة، وصححه الحاكم وابن خزيمة، أنظر نيل الأوطار 171/5). فالمواعدة إذا لم تكن ملزمة للطرفين لم يكن ثمة بيعتان في بيعة، لكنها إذا صارت ملزمة صارت عقدا بعد أن كانت وعدا، وكان هناك بيعتان في بيعة، فانظر إلى ما نقلناه عن الموطأ..».
(رفيق المصري، بيع المرابحة، مجلة الأمة القطرية العدد 61، شتنبر 1985، نقلا عن كتاب: القرضاوي، بيع المرابحة، ص. 96).
فمن خلال مثال أجهزة المستشفى يتبين لنا فعلا أن بيع المرابحة بيعتان في بيعة لأن إلزام العميل الوعد بالإنجاز مع الوعيد له إذا أخلف، ماهو إلا إجراء للبيع ولكن تحايلا سمي وعدا، وإلا لتساءلنا إذا كان الأمر يتعلق بوعد وليس بعقد فلماذا تمت كتابة عقد بالوعد؟ 

* نشر الجزء التاسع بجريدة الأحداث المغربية يوم الخميس 10 غشت 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق