حزب العدالة والتنمية وحركة 20 فبراير
نقاش هادئ لادعاءات عبد العلي حامي الدين 1/2
عبد الواحد بنعضرا
خرج عبد العلي حامي الدين مؤخرا في بعض المنابر
الإعلامية ليؤكد أن حزبه حزب العدالة والتنمية كان ضمن فعاليات حركة 20 فبراير.
وهذا المقال هو تفاعل مع خرجة الرجل هذه.
من الأبجديات التي يعلمها كل سياسي أن المواقف الرسمية
للأحزاب أو لأية هيئة سياسية تُستخرج من بياناتها السياسية، وبعد ذلك يمكن الرجوع
لمواقف قيادييها. وبالرجوع لبيانات حزب العدالة والتنمية، فإننا لا نجد أي بيان
حول المشاركة مع حركة 20 فبراير. قلتم في مجلة زمان: "بالنسبة لحزب العدالة
والتنمية، كان هناك اختلاف واضح داخل قيادتها، وعلينا أن نميز بين موقف الأمين
العام وموقف المجموعة التي أصدرت بيانا يوم 17 فبراير ونزلت إلى الشارع يوم 20
فبراير، وضمنها 4 أعضاء من الأمانة العامة و10 كتاب جهويين وعدد من المسؤولين
الإقليميين" (عبد العلي حامي الدين، حوار مع مجلة زمان، العدد5، فبراير ــ
مارس 2014، ص. 36).
أقول لكم بأن خروج بضعة أفراد لا يُعدّ مقياسا للقول بأن
الحزب كان مساندا لحركة 20 فبراير. ثم إن عدم مشاركتكم في اتخاذ قرارات الحركة لا
من خلال جموعها العامة ولا من خلال اللجن، والاقتصار على المشاركة في المسيرات
كأنها خروج للقيام بنزهة، يفرغ خروج بعض أعضاء حزبكم، من أي معنى، لأنه لا يمكن
اختزال الحركة في مجرد مسيرات أو وقفات.
بالمقابل، فإن الجناح الدعوي للحزب، أي حركة التوحيد
والإصلاح كان واضحا في بيانه الرافض للخروج مع الحركة، وحول هذا البيان يقول امحمد
الهيلالي نائب رئيس الحركة: "بخصوص البيان أحب أن أوضح أنه اتخذ بعد مناقشة
مضامينه بدأت يوم 19 فبراير الذي يزامن انعقاد المكتب التنفيذي والذي جدّد قرار
رفض المشاركة بالإجماع وقرّر إبقاء المكتب في حالة انعقاد على أن يؤجل إصدار
البيان المذكور إلى غاية تقييم ما سوف يقع يوم 20 فبراير وقد صدر بالفعل يوم الأحد
مساء" (امحمد الهيلالي، حوار مع جريدة التجديد، عدد الجمعة/الأحد 4 – 6 مارس
2011).
إذن فالبيان الرسمي الذي بين أيدينا يعكس رفض مساندة
حركة 20 فبراير رسميا من طرف حزب العدالة والتنمية. يبقى السؤال: ما الغاية من
خروج بعض أعضاء الحزب ضمن مسيرات الحركة؟ يستشف من كلام الهيلالي السابق، أن الحزب
تردّد في إعلان موقفه. من الممكن قراءة هذا الأمر بشكل إيجابي واعتبار هذا التردد
يدخل ضمن واقعية الأشياء، ويمكن بالعكس توصيفه بكونه انتهازية في التعامل مع هذه
الحركة، إما في انتظار الضوء الأخضر من جهات معينة، أو القصد منه هو البحث عن
شرعية تاريخية، وهو شيء لن تستطيعوا إليه سبيلا لأن حركة 20 فبراير مبادرة يسارية،
بتنسيق بين مجموعة من التيارات والأحزاب اليسارية.
أما كلامكم عن أنكم الحليف الطبيعي للحركة، فهو محل نظر:
إذ قلتم: "أن العدالة والتنمية رغم الخلافات داخله، فإنه كان حليفا موضوعيا
لحركة 20 فبراير، في حين أن تحالف الأحزاب الثمانية، قبيل الانتخابات التي جرت في
25 نونبر 2011، لم يكن فقط، ضد "البيجيدي"، وإنما أيضا ضد حركة 20
فبراير" (عبد العلي حامي الدين، أخبار اليوم، عدد الأربعاء 26 فبراير 2014).
أذكّركم أنكم تحالفتم مع أحد مكونات تحالف الأحزاب
الثمانية لتشكيل حكومة بنكيران2، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن الحركة لم تقل
فقط بمحاربة الفساد والاستبداد، بل كانت ترفع في بدايتها، أيضا، شعار الملكية
البرلمانية، أي، أن السيادة ينبغي أن تكون للشعب، وأن الشعب مصدر كل السلط،
يمارسها عن طريق ممثليه الذين ينتخبهم عبر انتخاب حر ونزيه، ما يعني أن كل السلطة
التشريعية للبرلمان، وكل السلطة التنفيذية "للحكومة"، والقضاء سلطة
مستقلة يرأسها قاضي منتخب.
حزب العدالة والتنمية وحركة 20 فبراير
نقاش هادئ لادعاءات عبد العلي حامي الدين 2/2
عبد الواحد بنعضرا
ما أريد أن أصل إليه، عوض هذه الادعاءات بخصوص العلاقة
بين الحزب والحركة. هناك عمل أهم، ينتظر الحزب، إن كان فعلا جادا في ترسيخ
الديمقراطية في المغرب، وهو العمل على سمو الشرعية الشعبية على أية شرعية أخرى
كيفما كانت، وهذا مدخل أساسي بالنسبة لي إن كنتم ترغبون في الإصلاح. وحبذا لو أنكم
دافعتم عن تعويض مجلس الحكومة ومجلس الوزراء بمجلس واحد هو "مجلس الدولة"
الذي اقترحه حزبكم في مذكرتكم حول الدستور، إذاً لكان بالإمكان إيجاد صيغة يصبح
فيها هذا المجلس ينعقد تحت رئاسة الملك مرتين في الشهر ورئاسة رئيس الحكومة مرتين
في الشهر، في أفق أن تصبح، تدريجيا، كل السلطة التنفيذية من صلاحيات الحكومة
المنبثقة عن البرلمان المنتخب.
في أحد لقاءات أوراش المواطنة الذي انعقد في مدرسة
الحكامة والاقتصاد بالرباط يوم السبت 19 أكتوبر 2013، حيث كان هناك لقاء جمع شباب
بعض الأحزاب السياسية وبعض طلاب المدارس العليا، كان من بين الحاضرين عزيز بنبراهيم،
رئيس مقاطعة باب المريسة، وهو من حزب العدالة والتنمية وهو أيضا برلماني عن دائرة
سلا... تدخلتُ للتعقيب على مداخلته، حيث قلتُ له أنني شخصيا أعطيت لحزبكم فترة
سماح طويلة، رغم اختلافي معكم، فلم أدبج أي مقال ينتقدكم منذ تشكيل حكومة
بنكيران1، إلاّ في الآونة الأخيرة، والسبب بسيط، هو أن الحزب يتمتع بشرعية صناديق
الاقتراع، ومن تم فإنجاح هذه التجربة هو إنجاح لنا جميعا، غير أن الكيل قد طفح من
سوء تدبيركم للشأن العام، وبأن أكثر الأشياء التي تعاب على الحزب عدم إسهامه في
سمو الشرعية الشعبية.. وذكرتُ له محطات عديدة بدءا مما قاله بنكيران في يونيو 2011
بكونه يرفض الملكية البرلمانية وأنه مع الإمامة!! وصولا إلى حكومة بنكيران 2 والتي
عقدت المجلس الوزاري قبل التنصيب، وهو ما يعني إهمال قضية الشرعية الشعبية حيث كان
من المفروض تنصيب الحكومة، من طرف البرلمان، بعد تعيينها... بالمقابل ذكرتُ أنه لا
يحق لأي حزب قال بأن الدستور حقق كل مطالبه أن يحدثنا عن التماسيح أو العفاريت، لا
حزب العدالة والتنمية، ولا حتى حزب الاتحاد الاشتراكي، إن أمسك بالسلطة مستقبلا بحكم
أنه قال أن الدستور حقق 95 في المئة من مطالبه الدستورية... وبالتالي على بنكيران
تحمل مسؤوليته..
وهذا ما أعيد التأكيد عليه في هذا المقال، إن كنتم جادين
في الإصلاح، فهذا هو المدخل: العمل على سمو الشرعية الشعبية، عوض إعطاء الدستور
تأويلا محافظا من خلال مجموعة من الإجراءات أو من خلال القوانين التنظيمية. وإذا
لم يكن ذلك ممكنا فإن عليكم الاعتذار للشعب المغربي على ادعاءكم بخصوص الصلاحيات
التي يمنحها الدستور الحالي للحكومة.
لقد تعودنا من حزب العدالة والتنمية التباس المواقف
وتضارب الآراء، ولذا فإننا لا نفهم القول بأن حزب العدالة والتنمية حليف طبيعي
لحركة 20 فبراير إلا من خلال إجراءات واضحة، وإلا فإننا سنجد أنفسنا على الدوام في
مواقف مشابهة لما عبّر عنه الأمين العام السابق للحزب بخصوص الفصل 19، في أحد
حواراته: وهذا هو سؤال المستجوب: أريد أن أعرف بالضبط الموقف من تعديل الفصل 19
وتقليص السلطات الملكية لصالح السلطة التنفيذية والتشريعية؟ وهذا جواب سعد الدين
العثماني: "يمكن أن نعيد التوازن بين السلط، دون الحاجة إلى تعديل الفصل 19،
فيمكن أن تقوى سلطات الوزير الأول، سلطات الحكومة والبرلمان، وتساعد على تقوية
سلطات القضاء" (سعد الدين العثماني، حوار مع جريدة الأيام، العدد 274، 24
مارس - 6 أبريل، 2007) . وبه تم الإعلام والسلام.
* نشر المقال على جزأين بجريدة الأحداث المغربية، نشر الجزء الأول
في عدد السبت/ الأحد 15 – 16 مارس 2014.
ونشر الجزء الثاني يوم الاثنين 17 مارس 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق