السبت، 2 أغسطس 2014

البنوك الإسلامية، 2/10، بقلم عبد الواحد بنعضرا*

البنوك الإسلامية
2/10 
عبد الواحد بنعضرا


3ـ نمط الإنتاج


لم نسمع في يوم من الأيام عن نمط إنتاج ديني أبدا، لا نمط إنتاج مسيحي ولا نمط إنتاج يهودي ولا نمط إنتاج بوذي، فهل يمكن أن نتحدث عن وجود نمط إنتاج إسلامي حتى يجوز لنا الحديث عن مذهب اقتصاد إسلامي أو عن اقتصاد إسلامي ؟ إن المتصفح لكتابات الخطاب الديني يكاد لا يعثر إلا قليلا على كلمة «إنتاج» بَلْهَ أن يعثر على عبارة «نمط إنتاج» بل إن الطابع الغالب هو كلمة «توزيع» سواء في الفقه القديم أو حتى الحديث، وبمعنى آخر أن المسلمين طيلة الحقب السابقة والحالية كانوا خاضعين لنمط الإنتاج - وهو ذو طبيعة مادية واقعية وليس مثاليا أو أخلاقيا- الموجود سواء كان رأسماليا أو غير رأسمالي... وكان دور الفقهاء هو تبرير التعاملات في ظل نمط الإنتاج القائم. وبالتالي فالبنوك الإسلامية اليوم ما هي إلا شكل من أشكال البنوك التقليدية وتنويعة عليها، وبأن الاقتصاد الإسلامي ما هو إلا تنويعة وشكل من أشكال النظام الرأسمالي يتلبس بلبوس الدين، وهذا ما سنراه لاحقا.
لقد كان لظهور عبارة «الاقتصاد الإسلامي» شق سياسي وأدلوجي وتجاري، أما الشق الأدلوجي فيتجلى في تكريس أن الإسلام شمولي يشمل كل القطاعات والميادين من السياسة إلى الطب إلى الاقتصاد وهلم جرا وعدّاً وبتكريس تزييف الوعي أيضا عبر اعتبار كل الصراعات هي صراعات دينية أو حضارية بالتغطية على نظرية «صراع الطبقات» -يجب استحضار الفترة التي ظهر فيها مفهوم الاقتصاد الإسلامي- وهذا ما يجرنا إلى الشق السياسي والذي يتجلى من جانب في الصراع بين القوى اليسارية والقوى الدينية وفي جانب آخر في صراع الكتلتين السوفياتية والأمريكية وما كان له من انعكاس في الخليج ومصر من دعم للأدلوجة الدينية من أجل مواجهة الأدلوجة الاشتراكية، ويلتقي هذا الشق السياسي بهذا الأدلوجي -كما هو في العادة غالبا- عندما يسعى الخطاب الديني للتمايز بين المنظومتين «الغربيتين» بخلق نظام أصيل شرقي في مجتمعاته : «فالرأسمالية فيها كالاشتراكية، (مثلا أفغانستان)، غريبة عليها، غربية، محدثة، إنها بالعكس «تقليدية»، كما ينعتها الغرب صاحب الحداثة، أي أصلية، وأصالتها أن تكون إسلامية، لذا كان الإسلام في هذا الصراع الطبيعي المحتدم في حقل الفكر مدعوا إلى أن يكون له اقتصاده المختلف عن اقتصاد الغرب بوجهيه الرأسمالي والاشتراكي، واختلاف الاقتصادين مستخلص، بدوره، من اختلاف الجوهرين : جوهر الإسلام وجوهر الغرب ..». (مهدي عامل، نقد الفكر اليومي، دار الفارابي، بيروت، 1988، ص. 181).
فكما لاحظ مهدي عامل فإن الخطاب الديني يسعى إلى تكريس ثنائية الذات والآخر/الإسلام والغرب، فجوهر الإسلام ثابت لا يتغير في الماضي كما في الحاضر وجوهر الغرب ثابت هو نفسه في الحاضر كما في الماضي، رأسماليا كان أو اشتراكيا أو إقطاعيا، والصراع الموجود اليوم هو استمرار للصراع في الماضي بين الجوهر الثابت للإسلام والجوهر الثابت للغرب، إنه صراع بين جوهر الذات وجوهر الآخر، وطبيعي أن يكون هذا الخطاب موجها للتشويش على أي تحليل علمي ومادي وواقعي لمجتمعات الدول «الإسلامية» لفائدة ثنائية زائفة تجعل من الأخلاق نوعين أخلاق إسلامية وأخلاق غربية، وعلم إسلامي وعلم غربي وطبعا وهذا في صلب موضوعنا اقتصاد غربي واقتصاد إسلامي.


4ـ اقتصاد الغزو والريع

حسب تحليل المادية التاريخية فإن نمط الإنتاج الذي عرفته المناطق الأخرى خارج أوربا - ومن بينها الدول «الإسلامية»- هو ما يعرف بـ «نمط الإنتاج الأسيوي»، يقول إيف لاكوست : «وبالمقابل، فإن الحالة الاقتصادية والاجتماعية، في معظم البلدان الأخرى، قد بقيت مطبوعة خلال مراحل جد طويلة، بأشكال مختلفة من التنظيم الاقتصادي والاجتماعي، تتعلق إجمالا بنمط إنتاج واحد، هو الذي كرسه ماركس باسم «نمط الإنتاج الأسيوي»، ويتميز هذا النمط بوجود طبقة أصبحت قادرة على تملك فوائض الإنتاج، واستثمار السكان، بدون أن تمتلك بشكل خاص، القوى المنتجة التي بقيت في الأساس، بين أيدي الجماعات القروية، أو القبلية. إن عدم التملك هذا لوسائل الإنتاج قد خفف نسبيا، التناقضات الداخلية بحيث إن الصراعات الطبقية لم تستطع أن تنتظم بُنًى ولا تتطور بقوة ووضوح على نحو ما حصل في أوربا، ولهذا السبب بالذات كان التطور السالف في مجمل العالم، مبهما، وبطيئا بنوع خاص عما كان في أوربا. إن تحليل هذه المجتمعات الخدرة، الخامدة، يؤكد تماما فكرة ماركس العظيمة القائلة بأن صراع الطبقات هو محرك التاريخ». (إيف لاكوست، العلامة ابن خلدون، ترجمة ميشال سليمان، دار ابن خلدون، بيروت، 1974، ص. 11-10).
ويقود هذا التحليل إلى أن السبب في عدم تحقق ثورة صناعية وتطور اقتصادي في الدول الأخرى -غير الأوربية- هو عدم تكون طبقة بورجوازية تمتلك وسائل الإنتاج قادرة من أجل مصلحتها على تحقيق تحولات بنيوية أساسية وتطوير آلياتها. وقد يأتينا الاعتراض هنا بأن مفهوم نمط الإنتاج مقولة ماركسية وأن دول المنطقة أو الدول «الإسلامية» تستعصي على تفسيرات المادية التاريخية، وأن بإمكاننا الحديث عن اقتصاد إسلامي دون تحديد نمط إنتاجه. إن البحث عن ماهية هذا الاقتصاد طوال 14 قرنا ستبين لنا أن الاقتصاد الذي كان سائدا هو اقتصاد «الغزو»، وهذا ما يحيلنا طبعا إلى نظرية ابن خلدون حول العصبية والدولية. في هذا الإطار يقول الجابري : «إن التاريخ يؤكد أن ثروة الدولة الإسلامية، الثروة التي أقام عليها العرب دولتهم وحضارتهم كانت معظمها تتكون من موارد حربية، ولعل مما له دلالة خاصة في هذا الصدد أن كتب الفقه تحصر موارد الدولة، أو مصادر ميزانيتها في الفيء، الغنائم، الجزية، الخراج، العشور، إلخ. وهي تعطي أهمية خاصة، لاَ لِاستثمارها، فذلك ينعدم الاهتمام به، بل تهتم أولا وأخيرا بكيفية توزيعها. إن الأموال كانت تجمع لتستهلك، لا لتستثمر، إن اقتصاد الغزو ثروة جاهزة تؤخذ لتوزع على المحاربين ورجال الدولة، إنه اقتصاد دولة بمعنى أنه ثروة تتصرف فيها الجماعة الحاكمة». (محمد عابد الجابري، العصبية والدولة، معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، ط. الثانية، 1979، ص. 409).
إنه اقتصاد رخو يقام على ثروة تأتي لتذهب وليست ثروة إنتاجية قابلة للنمو : «إن الإسلام سواء كان كأوامر ونواه، أو كتطبيق تاريخي، لم يكن يفتح الباب بسهولة أمام «الاقتصاد الحر»، الاقتصاد المستقيل عن تدخل الدولة، الخاضع لديالكتيك العمليات الداخلية، والنمو الذاتي. لقد كان الاقتصاد في جملته اقتصاد دولة، اقتصاد الخليفة وأهل السلطة والنفوذ». (نفسه، ص. 423).
وسواء أخذنا بالتحليل المادي التاريخي الماركسي أو بنظرية العصبية الخلدونية، فإننا نجد أنفسنا أمام اقتصاد تتصرف فيه الجماعة الحاكمة، اقتصاد الغزو والريع. فهل نظام الأبناك الموجود اليوم -بكافة أنواعه- له أية علاقة باقتصاد الريع هذا ؟ أم أن هي أبناك وليدة نظام رأسمالي مهما تزيا بعضها بزي ديني، وهذا هو ما ينقلنا إلى الشق التجاري من عبارة الاقتصاد الإسلامي والذي يحيلنا إلى التساؤل عن الدور الذي لعبته حركة الإخوان المسلمين في ظهور هذه الأبناك الموسومة بالإسلامية ؟

*نشر الجزء الثاني بجريدة الأحداث المغربية يوم الخميس 3 غشت 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق