السبت، 2 أغسطس 2014

البنوك الإسلامية، 8/10، بقلم عبد الواحد بنعضرا*



 البنوك الإسلامية
8/10 
عبد الواحد بنعضرا

نموذج لبيع المرابحة:


هذا هوالمثال الذي قدمه القرضاوي كنموذج لبيع المرابحة:
ذهب زيد من الناس إلى المصرف الإسلامي وقال له:أنا صاحب مستشفى لعلاج أمراض القلب، وأريد شراء أجهزة حديثة متطورة لإجراء العمليات الجراحية القلبية، من الشركة الفلانية بألمانيا أو بالولايات المتحدة. وليس معي الآن ثمنها، أو معي جزء منه ولا أريد أن ألجأ إلى البنوك الربوية لأستلف عن طريقها ما أريد وأدفع الفائدة المقررة المحرمة، فهل يستطيع المصرف الإسلامي أن يساعدني في هذا الأمر دون أن أتورط في الربا؟ هل يستطيع المصرف أن يشتري لي ما أريد بربح معقول على أن أدفع له الثمن بعد مدة محددة، فأستفيد بتشغيل مستشفاي، ويستفيد بتشغيل ماله، ويستفيد المجتمع من وراء ذلك التعاون؟
قال مسؤول المصرف: نعم يستطيع المصرف أن يشتري لك هذه الأجهزة بالمواصفات التي تحددها، ومن الجهة التي تعينها، على أن تربحه فيها مقدارا معينا أو نسبة معينة، وتدفع في الأجل المحدد، ولكن البيع لا ينعقد إلا بعد أن يشتري المصرف الأجهزة المذكورة ويحوزها بالفعل بنفسه أو عن طريق وكيله، حتى يكون البيع لما ملكه بالفعل، فكل ما بين المصرف وبينك الآن تواعد على البيع بعد تملك السلعة وحيازتها.
قال العميل: المصرف إذن هو المسؤول عن شراء الأجهزة المطلوبة ودفع ثمنها ونقلها وشحنها، وتحمل مخاطرها فإذا هلكت هلكت على ضمانة وتحت مسؤوليته، وإذا ظهر فيها عيب بعد تسلمها يتحمل تبعة الرد بالعيب، كما هو مقرر شرعا.
قال المسؤول: نعم بكل تأكيد، ولكن الذي يخشاه المصرف أن يحقق رغبتك ويجيبك إلى طلبك بشراء الأجهزة المطلوبة، فإذا تم شراؤها وإحضارها، أخلفت وعدك معه، وهنا قد لا يجد المصرف من يشتري هذه السلعة منه لندرة مايحتاج إليها، أو قد لا يبيعها إلا بعد مدة طويلة، وفي هذا تعطيل للمال، وإضرار بالمساهمين والمستثمرين الذين ائتمنوا إدارة المصرف على حسن تثميرها لأموالهم.
قال العميل صاحب المستشفى: إن المسلم إذا وعد لم يخلف، وأنا مستعد أن أكتب على نفسي تعهدا بشراء الأجهزة بعد حضورها بالثمن المتفق عليه -الذي هو الشراء مع المصاريف والربح المسمى مقدارا أو نسبة- كما أني مستعد لتحمل نتيجة النكول عن وعدي، ولكن ما يضمن لي ألا يرجع المصرف عن وعده إذا ظهر له عميل يعطيه أكثر، أو غلت السلعة المطلوبة في الأسواق غلاء بينا؟
قال المسؤول: المصرف أيضا ملتزم بوعده، ومستعد لكتابة تعهد بهذا، وتحمل نتيجة أي نكول منه.
قال العميل: اتفقنا
قال المسؤول: إذن نستطيع أن نوقع بيننا على هذا في صورة طلب رغبة ووعدا منك بشراء المطلوب، ووعدا من المصرف بالبيع، فإذا تملك المصرف السلعة وحازها وقعنا عقدا آخر بالبيع على أساس الاتفاق السابق.
هذه هي الصورة التي اشتهرت تسميتها باسم (بيع المرابحة للآمر بالشراء) وهي التي ثار حولها الجدل وكثر القيل والقال. (القرضاوي، بيع المرابحة، ص. 28-27)
فهل هناك أي فرق بين البنوك الإسلامية وبيع المرابحة وبين البنوك التقليدية وفوائد البنوك؟ أم أنه تغيير أسماء فقط وتحايل ومداورة ومراوغة من أجل كسب تعاطف المودعين والعزف على وتر الدين، مع الاستغراب لتعليق القرضاوي هذا: «هذه هي عناصر العملية التي اشتهرت باسم «بيع المرابحة» وأنا لا أقف عند التسمية كثيرا..» (نفسه، ص. 29). وسنرى لاحقا لماذا علق القرضاوي بهذا التعليق؟



انتقادات على بيع المرابحة:
ــ اعتراض أول
رأينا من خلال المثال السابق لبيع المرابحة كيف أن البنك «الإسلامي» يأخذ فائدة عن القرض/البيع الذي يمنحه للعميل ويسميها ربحا - مقدار أو نسبة- فكيف يبرر القرضاوي هذه الفائدة / الربح: «كالطبيب الذي ذكرنا أنه يريد شراء أجهزة، ولجوء مثله إلى المصرف الإسلامي ليشتري له السلعة المقصودة لهو أمر منطقي، لأن مهمة المصرف أن يقدم الخدمة والمساعدة للمتعاملين معه، ومن ذلك أن يشتري لهم السلعة بما يملك من ماله، ويبيعها بربح مقبول، نقدا أو لأجل، وأخذ الربح المعتاد على السلعة لا يجعلها حراما، وبيعها بأجل لا يجعلها أيضا حراما» (القرضاوي، بيع المرابحة، ص. 31-30). هكذا يصبح «أخذ الربح المعتاد على السلعة لا يجعلها حراما» ونتساءل من جديد ما الذي يجعل هذا الربح/الفائدة حلالا هنا وحراما بالنسبة للبنوك التقليدية؟ ذكرت سابقا تعليق القرضاوي على بيع المرابحة: «هذه هي عناصر العملية التي اشتهرت باسم المرابحة، وأنا لا أقف عند التسمية كثيرا» (نفسه، ص. 29). وسنرى هنا أحد دواعي هذا التعليق، حين يضطر القرضاوي كي يجعل هناك تمييزا بين أرباح البنوك الإسلامية وفوائد البنوك التقليدية إلى أن يتحدث عن الصورة وهذا طبعا مناقض لحديثه عن أنه يهتم بالمسمى لا بالاسم، بالمضمون وليس بالشكل، حيث جاء في كلامه مايلي: «على أن تغيير الصورة أحيانا يكون مهما جدا، وإن كانت نتيجة الأمرين واحدة في الظاهر، فلو قال رجل لآخر أمام ملإ من الناس: خذ هذا المبلغ واسمح لي أن آخذ بنتك لأزني بها، فقبل، وقبلت البنت لكان كل منهم مرتكبا منكرا من أشنع المنكرات، ولو أنه قال له: زوجنيها وخذ هذا المبلغ مهرا لها.. فقبل وقبل لكان كل من الثلاثة محسنا، والنتيجة في الظاهر واحدة، ولكن يترتب على مجرد كلمة «زواج» من الحقوق والمسؤوليات شيء كبير» (نفسه، ص. 32).
بغض النظر عن بشاعة المثل الذي يضربه القرضاوي، نتساءل هل المسألة هي مسألة تغيير صورة فقط حتى لو كان الجوهر نفسه؟ إن تناقض كلام القرضاوي حول عدم اهتمامه بالتسمية- كما في تعليقه على النموذج- أو بالعكس أهمية الصورة والتسمية والكلمة- كما جاء في الفقرة أعلاه- يبين لنا أن القرضاوي يحاول أن يبرر بيع المرابحة بأي شكل ويرد على الاعتراضات كيفما اتفق حتى ولو تناقض آخر كلامه مع بدايته، فالداعي الأول وراء تعليق القرضاوي ذاك مراوغة وتهرب ممن يعترض على أن المرابحة نوع من أنواع الربا، فكأن القرضاوي يحاول أن يشير إلى أن الاسم قد أطلق على هذه المعاملة صدفة وأنها لا تمت بصلة إلى المرابحة القديمة، غير أنه ما لبث أن نكص عن وجهته فأخذ يتحدث عن الصورة وأهمية تغييرها حتى يوهمنا بأن هناك فرقا بين فوائد البنوك التقليدية وأرباح البنوك الإسلامية..
أما الداعي الآخر وراء تعليق القرضاوي ذاك، فهو موجه للذين يعترضون على أنه في حالة ما تعلق الأمر بمعاملة جديدة فإن أحدا لم يقل بحلها من القدماء، فيجيب القرضاوي: «والرد على هذا، الاعتراض من وجهين، الأول: أنه ليس من الضروري في المعاملات الحديثة أن نجد من أئمتنا السابقين من قال بحلها، وليس من اللازم ما يفعله بعض علماء عصرنا من محاولة رد كل معاملة جديدة إلى صورة من صور المعاملات القديمة، لتخرج عليها، وتأخذ حكمها، وحسبنا ما قررناه من قبل: أن الأصل في المعاملات عامة، وفي البيع خاصة، هو الحل، وما جاء على الأصل لا يسأل عنه». (نفسه، ص. 34)،
القرضاوي لا يحبذ العمل الذي يقوم به البعض من رد كل معاملة جديدة إلى صورة قديمة من المعاملات! فما الذي يفعله الفقهاء إلا هذا، أي رد كل شيء إلى أصل قديم، ومن يستعمل القياس، أليس الفقهاء والشيخ واحد منهم؟ بل ولماذا تم تسمية تعاملات بنوكهم ببيع المرابحة أليس من أجل تبريرها بأنها لا تعدو أن تكون شكلا لنوع قديم من البيوع، أي بيع المرابحة وأن هذا البيع حلال، فإذ بتعاملات أبناكهم حلال.. إننا أمام عملية خداع كبيرة ولا يغرنك تملص القرضاوي من تسمية معاملات أبناكهم أحيانا بالمرابحة، فهو يدرك أن المهم قد حصل وهو أن يعتقد الناس بأن هذه الأبناك تتعامل بالحلال عن طريق المرابحة، وطبعا فالناس لن يسألوا ولن يدخلوا في التفاصيل، أما الذي يبحث ويناقش التفاصيل فإن القرضاوي يهيء له مفاجـأة كبيرة بأن هذا التعامل لا علاقة له ببيع المرابحة، بعد أن يكون الشيخ متيقنا بأن الناس المستهدفين بإعلان المضاربة والمرابحة لا يهمهم إلا العنوان وأن أي نقاش في التفاصيل لن يصلهم رذاذه وسيظل محصورا في نطاق ضيق... وأتساءل إذا كان الأمر كما ذكر الشيخ بأن المعاملات الحديثة لا يلتزم فيها بأقوال السابقين، فلماذا جعلوا من البنوك التقليدية حراما، أليست هي الأخرى معاملات حديثة؟

* نشر الجزء الثامن بجريدة الأحداث المغربية يوم الأربعاء 9 غشت 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق