الدرس الفلسفي : هل تؤدي الفلسفة دورها الحقيقي ؟
عبد الواحد بنعضرا
يحكي سورين كيركغارد قصة رجل
كان يتفرج على واجهات المحال التجارية بينما هو يسير في الشارع، يصل الرجل مرة إلى
واجهة فيها لافتة كتب عليها "هنا تصنع الفلسفة"، بطريقة ما يعرف الرجل
أن هذا ما يريده، يدخل إلى المحل وشعور من الأمل يملأ جوانحه، وعندئذ فقط يجد أن
ذلك المكان هو محل لرسم لافتات المحال، وأن اللافتة وحدها هي المخصصة للبيع. أوردت
هذه الحكاية التي يرويها هذا الفيلسوف، قبل أن يجري القلم بهذه الكلمة، لأنها تلخص
حالة الفلسفة اليوم، وخاصة في مؤسساتنا التعليمية، المادة: "مادة الفلسفة"
هذا نعم، ولكن المضمون لا علاقة له بالعنوان، فكما هو ملاحظ، فقد تحولت حصص هذه
المادة إلى مواضيع في الدين والعقيدة، وبالتالي صارت ملحقة بمادة التربية
الإسلامية وتابعة لها، وأول ما يصادفه أستاذ مادة الفلسفة في بداية السنة الدراسية
السؤال التالي: هل الفلسفة تؤدي إلى الإلحاد؟ ولن نعدم من يجيب تلاميذه بالنفي،
وكأنه أصاب السؤال في مقتل ووأد الفخ في المهد، ومنهم من يذكر أسماء فلاسفة مسلمين
كابن رشد وغيره... وهم بهذا يجعلون من الفلسفة مادة عقائدية، وطبعا هذا ليس من ضعف
حجة الأساتذة في الجواب ولا من فـيالــة رأيهم، ولكنه في غالب الأحيان الرغبة في
دفع المركب إلى شط الأمان وبأبخس الأثمان، ولكن الفخ قد نصب، والسهم قد انطلق من
قوسه ولن يرجع، وستستمر الحصص كلها على هذه الشاكلة: نقاشات دينية ومواضيع
دوغمائية، وبهذا تتحول الفلسفة إلى أجوبة جاهزة وتقريرية ويقينية وإلى مطلقات...
وهذه هي ألد أعداء هذه المادة، فالأصل في الفلــسفة أنها تساؤلات مـتلاحقة وما
يكاد الفيـلسوف يظن أنه وجد جوابا حتى يـلقاه سؤالا آخر، وفي هذا الإطار يقول
الفـيلـسوف كارل ياسـبرز : "إن كـلمة فيلـسوف اليونانيـة (philosophos) مركـبة بالتـقابـل مع
sophos، فالكـلـمة ( فيلسوف)
تعني ذلك الذي يبحث عن المعرفة، في مقابل ذلك الذي يمتلك المعرفة ويدعى عالما، هذا المعنى مازال مستمرا إلى اليوم. إن
جوهر الفلسفة هو البحث عن المعرفة وليس امتلاكها (...) إن الأسئلة في الفلسفة أكثر
أهمية من الأجوبة ، كل إجابة تصير سؤالا جديدا"
)Karl Jaspers, introduction à la philosophie, pp. 10 - 11).
هذه هي الفلسفة، بحث مستمر وأسئلة تتلاحق، ولا
وجود فيها للمطلق أو الجاهز، والتفكير الفلسفي هو تفكير تساؤلي إشكالي ونقدي،
فالفلسفة تدفع صاحبها إلى التساؤل ونقد الأفكار أو ما يعبر عنه بروح النقد، وهنا
تطرح إشكالية حقيقية ألا وهي تدريس مادة الفلسفة والتربية الإسلامية في مستوى واحد؛
إذ كيف لتلميذ أن يجمع بين المطلق و النسبي، بين مادة تجعل كل شيء مطلقا ومادة
تجعل كل شيء نسبيا، أما عندما يقرأ التلميذ درسا في مادة التربية الإسلامية موضوعه
الإعجاز العلمي في القرآن فهذا معناه إعلان خطل وبطلان المواد العلمية من فيزياء
وكيمياء وعلوم طبيعية ورياضيات... إضافة إلى مادة الفلسفة، والمطلوب تقديم عقل
التلميذ لاستقالته.. وهناك مبدأ في الميكانيكا الكلاسيكية يقول إن الجسم الذي يخضع
لقوتين لهما نفس الشدة ومنحيان متعاكسان يبقى ساكنا و جامدا في مكانه، ولربما هذا
يفسر لنا لماذا العقل لدينا جامد وثابت أو بالأحرى مستقيل، وعلى ذكر المواد
العلمية أتساءل لماذا لا يطرح نفس المشكل؟ لماذا لا يتجرأ التلاميذ على مناقشات
دينية أثناء حصصها؟ فتتحول هذه المواد أيضا إلى ملحقات لمادة التربية الإسلامية؟
مع أن هذه المواد لو فتحت فيها مثل هذه النقاشات لما عرفت لها النهاية، وعلى سبيل
المثال لا الحصر: تصور الكون في الفيزياء ومفهوم الزمكان النسبي عند آينشتين
المخالف لتصور الكون كما في النصوص، ونظرية داروين في العلوم الطبيعية وغيرها... وإذا
علمنا أن بعض التلاميذ في المرحلة الابتدائية يرفضون الغناء لأن آباءهم قد أدخلوا
في روعهم أن الغناء والموسيقى حرام، ووضعنا أمام أعيننا كل أحكام القيمة السلبية
التي يلصقها الإسلامويون بالفلسفة واختزالها في البحث في قضية الوجود ــــ مع أن
الجانب الأكثر أهمية في الفلسفة هو البحث عن وسائل المعرفة أو الطرق والمناهج التي
يتم بها التوصل إلى المعرفة وهذا ما ميز الفلسفة الأوروبية خاصة مع كانت و ديكارت،
إضافة إلى الجانب المتعلق بالحرية والعدالة أو بصفة عامة كل ما له علاقة بحقوق
الإنسان ـــ وذلك ناتج عن مواقفهم المعارضة للعقلانية وحقوق الإنسان، أدركنا مدى
ما سيتعرض له التلميذ من شحن وضغوطات وتهييج تجاه مادة الفلسفة، عدا ما سيقوم به
كثير من أساتذة مادة التربية الإسلامية وبعض أساتذة المواد الأخرى ـــ حتى العلمية
منها ـــ من المحسوبين على الإسلامويين من تحريض للتلميذ ودفعه إلى تمييع مادة
الفلسفة وخلق البلبلة فيها بتحويلها إلى حلقة دينية. وبعد، فبالنظر إلى ما تعرفه
الفلسفة من تمييع لمواضيعها وانحراف عن مقصودها، وما جرى في الموسم المنصرم من
مهازل في تدريسها في مستوى الجذع المشترك، أتساءل هل هناك نية حقيقية كي تؤدي
الفلسفة دورها وتساهم في جعل التلميذ ينزع إلى النقد والتساؤل، أم أنها مجرد لافتة
فقط؟ أليس أولى الشروط اللازم توفرها، كيما تحقق هذه المادة أهدافها، بعض من
الجدية في التعامل مع دروسها سواء من طرف التلاميذ أوالأساتذة أو الوزارة الوصية ؟
*
نشر المقال بجريدة الأحداث المغربية يوم الأحد 21 غشت 2005
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق