"الصينيون المعاصرون"
وجهة نظر صينية
عبد الواحد بنعضرا
وأنا اقرأ بداية الاهتمام بتشكل الذات الصينية من كتاب
"الصينيون المعاصرون: التقدم نحو المستقبل انطلاقا من الماضي" لمؤلفه
الصيني وُو بِن ( ج1، ص، 26 ) تبادر إلى ذهني تساؤل حول ماهية الذات المغربية، وإلى
أي حدّ من الممكن المقارنة بين المسار المغربي والصيني، عوضا عن المقارنة المغربية
اليابانية !
يقول المؤلف: « وفي أثناء حرب الأفيون [1840 – 1842] والفترة التاريخية التالية
لها، اقتحم الإمبرياليون بوابة الصين القديمة بالمدافع، وهزوا بعنف التركيب النفسي
لدى الصينيين في الاعتماد على الثقافة التقليدية، وتسببوا لهم في إحداث جرح عميق
لكرامة الأمة والثقة بالذات والصورة النموذجية القائمة على المفهوم التقليدي
للثقافة. وغرق الصينيون في حالة من الشعور بالقلق والهم لم يعرفوها من قبل، وفقدوا
التوازن النفسي الاجتماعي بصورة خطيرة، وفي الوقت الذي كانوا يبحثون عن مخرج
لإنقاذ الأمة من الاضمحلال ومحاولة البقاء، كانوا يبحثون أيضا في عجالة عن مواطن
النقائص والعيوب على وجه التحقيق، وبدأوا في محاسبة النفس بدقة واستجوابها. ومن
هنا بدأ التعريف بذات الأمة الصينية، ولذا كانت تحمل تلك الذات في طياتها منذ
البداية الواقعية المباشرة ونكهة مشاعر الحزن العميق، ومن ناحية أخرى، تعد حرب
الأفيون السلسلة الأولى من الهزائم التي جعلت الكثير من الحكماء الصينيين من ذوي
النظر البعيد يدركون أن ذلك ليس هزيمة في المجال العسكري فحسب، بل إنها "
هزيمة كبرى " للثقافة الصينية التقليدية أيضا » ( نفس الصفحة ). في نفس
الفترة، أيضا، تعرض المغرب لهزيمة في معركة إيسلي
(غشت 1844)، أمام قوة غربية هي فرنسا. يهمنا هنا ردة فعل الصينيين تجاه
الحدث، حدث الضغط الاستعماري الغربي الذي فرض نفسه بقوة (تم توقيع اتفاقية نانكين
التي فتحت الموانئ الصينية أمام البضائع الإنجليزية). ركّز المؤلف، في عدة صفحات (
من بينها ص، 28 وما بعدها، ج1 ) على حركة
4 ماي 1919، والتي دعت إلى "الإطاحة بدار
كونفوشيوس" ومن بين زعمائها تشين دوشيو، لي دا جاو، لو شيون... والذين دعوا
إلى معارضة التقاليد والمذهب الكونفوشيوسي خاصة. في مقابل حركات أخرى رافضة لكل ما
هو غربي من بينها حركة يي هتوان، وهي حركة محافظة ومقاومة للتغيير: « وبالنسبة
لحركة يي هتوان، كانت البضائع الأجنبية تعد أقوى الشرور، مثل المصابيح الكهربائية
الأجنبية، والفناجين الخزفية الأجنبية، وكان مؤيدو هذه الحركة يستشيطون غضبا عند
رؤيتها، ويرون أنه يجب تحطيمها حتى يشعروا بالغبطة. وكانوا يتجولون في شوارع
المدينة، وعندما يشاهدون بائعي البضائع الأجنبية أو الذين يرتدون الملابس المحبوكة
والأكمام الضيقة، أو يشاهدون نماذج الأشياء التي على الطراز الغربي، أو المكتوب
عليها بالحروف الأجنبية، فإنهم يحطمون تلك الأشياء ويقتلون الأشخاص » ( ص،
241 ). كذلك ظهرت حركة الشؤون الأجنبية، والتي كانت تقول: « التعليم الصيني هو
الجوهر، والتعليم الغربي من أجل المهنة » ( ج1، ص، 194 ــ 195 ). وعموما، لاحظ
المؤلف بكون الحركات التي ظهرت في النصف الثاني من ق 19 لا يعدو أمرها إما الدعوة
للحفاظ على هيكل قديم أو لتطور سطحي.
في
المغرب كانت، لدينا، أيضا ردود فعل متباينة تجاه الغرب، ويمكن الاستئناس ببعض
الرحلات السفارية؛ حيث نستشف في نفس المتن الرحلي، أحيانا، ولنفس المؤلف مواقف
متعددة تنوس بين الرفض والقبول والتردد !
ولا
يفوت المؤلف الإشارة إلى أن الصين قد أصابها الضعف قبل أن تصل إليها القوات
البريطانية ( ج1، ص، 170 ). وكذلك الحال بالنسبة للمغرب قبل إيسلي، فقد كان يعيش
الاستقرار في ظل الانحطاط، كما يقول البعض.
ركّز
الكاتب في عدة فصول على أن تحديث الإنسان هي الوسيلة الحقيقية لتحديث الصين، فهي
عملية موازية للعملية الأممية، من ذلك مثلا قوله: « ولقد أظهرت العديد من الدراسات
أن البشر أهم عامل في حركة التحديث، وإذا لم يتم تحديث البشر يكون من المستحيل
تقريبا تحديث العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد والسياسة » ( ج1، ص، 42 ). مع التأكيد
أن الفهم الصيني للتحديث مازال سطحيا ( ج2، ص، 37 ). وينبه المؤلف إلى القلق الذي
ينتاب الصينيين جراء التغيرات السريعة، من خلال حديثه عن سرعة التغييرات في الدول
المتخلفة ومحاولة قطع مئات السنوات من التطور الغربي في فترة وجيزة، أي حرق
المراحل: « يفتقر الصينيون إلى الاستعداد النفسي والمعرفي الكافي تجاه تلك
التغييرات المطردة وواسعة النطاق. ويشعر الناس عادة بالحيرة إزاء التغييرات
الحالية، ويحتاجون إلى فترة يستطيعون خلالها فهم واستيعاب طبيعة التغييرات
الاجتماعية الهائلة ومضمون ثقافتها. وجسد ذلك النقص السيكولوجي المتجمد، أحد
التناقضات العميقة في الثقافة الصينية الحديثة... » (ج2، ص، 62 ). ومن ثم كان البحث عن تعويض الهزيمة
الثقافية والحضارية والعلمية بنصر رياضي ( ج2، ص، 72 ) كتعبير عن حالة الاغتراب
النفسي. ويعتبر المؤلف عدم الاستقرار الاجتماعي في الفترات الانتقالية مرحلة لا بد
من المرور منها: « إن مرحلة عدم الاستقرار الاجتماعي هي فترة تاريخية وحلقة متوسطة
لا بد من اجتيازها في الانتقال من استقرار المجتمع التقليدي إلى أقصى درجات
استقرار المجتمع الحديث، وبالتالي يتحقق التحول الرئيسي في الطبيعة الاجتماعية » (
ج2، ص، 76 )
وبعد، فقد نشر هذا الكتاب سنة 1992، وطبعت ترجمته إلى
العربية سنة 1996 (سلسلة عالم المعرفة في جزأين). واستطاع الصينيون اجتياز مجموعة
من المراحل، وتشير المعطيات إلى أن الصين، ستصبح قريبا القوة الاقتصادية الأولى في
العالم، تليها الولايات المتحدة الأمريكية ثم الهند. ما لم يحدث أمر يقلب المعطيات
رأسا على عقب، ويؤكد أحد الباحثين في الاقتصاد (lee Jong-Wha)، أن استمرار التقدم الصيني وباقي القوى الآسيوية رهين بمجموعة من
العناصر، على رأسها بناء وتعزيز المؤسسات الضرورية لتسيير الاندماج الجهوي بين
الدول الأسيوية (L’économiste, N 27 Septembre 2013) .
فإلى أي حدّ نستطيع، نحن أيضا الخروج من الماضي إلى
المستقبل، وتجاوز سوريالية وضيق ثنائية الأصالة والمعاصرة إلى رحابة تعددية المعنى؟
أم أننا سنعيد تكرار ما خلص إليه البعض من خلال المقارنة مع اليابان: تشابه
المقدمات واختلاف النتائج؟
* نشر المقال بجريدة الأحداث المغربية، في عدد السبت/الأحد 29 - 30 مارس 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق