السبت، 2 أغسطس 2014

البنوك الإسلامية، 1/10، بقلم عبد الواحد بنعضرا*



البنوك الإسلامية
1/10


1ـ مدخل

لقد اطلعت على الجدل الدائر بين المدافعين عن البنوك التقليدية وبين المدافعين عن البنوك «الإسلامية» وظهر أن النقاش جرى في ساحة الفقهاء وميدانه كان هو النص، وهكذا طرح بعضهم مسألة علّة الربا أو حكمة تحريم الربا وبعضهم تساءل عن تعريف الربا مدندنا حول أن فوائد البنوك لا تدخل في تعريف الربا سواء ــ كما ذكروا ــ على اختلاف تبريراتهم، لأن الربا إنما تكون في الذهب والفضة وليست النقود الورقية، أو أن فوائد البنوك هي ودائع أو من نوع المضاربة أو أن البنوك ليست شخصا مكلفا، أو أنها من ربا البيوع أو ربا الفضل وليست من ربا النسيئة أو ربا الديون، أو أن ما يودعه المودع ليس بقرض لأن القرض يكون من الغني للمحتاج وفي التعامل مع البنك فإن العكس هو الحاصل، أو أن المودع لا يستفيد في آخر المطاف من أي ربح على أمواله المودعة في البنك بفعل التضخم، إذ أن نقصان قيمة العملة يجعله ومع الفوائد يحصل على قيمة أقل من قيمة ما أودعه في أول الأمر، أو أن الربا المقصود في القرآن هو ما كان أضعافا مضاعفة... إلخ، ولكن قليل من تساءل كيف يمكن لنظام معقد كنظام الأبناك والبورصة والتأمين... وبما تستعمله أيضا من وسائل تكنولوجية ومعلوماتية -تعاملات عبر الإنترنت- كيف يمكن لنظام معقد ومتشابك، حديث ومعاصر، أن يخضع لنص ذي قيمة مثالية أكثر من قيمة علمية واقعية ومشروط بظروف سياسية وتاريخية معينة.
إن مشاكل الأبناك وغيرها يجب أن تحل بشكل علمي وانطلاقا من النظام ذاته وليس بتغيير الأسماء أو تحريم التعامل بالكلية مع البنوك أو بتغيير التعامل الحالي واستبداله بنظام قديم «المضاربة» أو «المرابحة»، وما هي إلا «اجتهادات» قام بها فقهاء للتحايل على التفسيرات الموجودة والمنتشرة لآيات الربا، بغض النظر عن المعنى الأصلي للربا والذي غاب وتلبس حتى أنهم رووا عن عمر بن الخطاب أنه لم يعرف معنى الكلالة والربا، إذ يروي ابن كثير عن عمر بن الخطاب : «في الصحيحين أنه قال : ثلاث وددت أن رسول الله كان عهد إلينا فيهن عهدا ننتهي إليه : الجد والكلالة وباب من أبواب الربا».
(تفسير ابن كثير للآية 176 من سورة النساء).
تماما مثلما أن أسباب النزول هي الأخرى ملتبسة ومختلفة... والسؤال المطروح:
أ) ـ أين كانت غائبة هذه البنوك «الإسلامية» طوال 14 قرنا، ولماذا لم تظهر إلا اليوم، أفلهذه الدرجة
لم يكن الفقهاء يفقهون أي شيء في الماضي حتى جاء القرن العشرون واكتشف القوم هذه الأبناك ؟
ب)ــ لماذا لم تظهر هذه البنوك إلا في ظل النظام الرأسمالي ؟
 
ودعك من القول بأن هذه الأنظمة تعمل بالمضاربة التقليدية الإسلامية، لأن هذا كلام للاستهلاك، فكل بنك كيفما كان، يدخل في إطار نظام بنكي دولي، فهل يا ترى سيتعامل القوم مع البنوك الدولية بالمضاربة أم بالفوائد، وأكثر من هذا بكل آليات النظام المعقد للبنوك أم بغيرها ؟ طبعا الجواب واضح، ليدلك هذا على أنه لا علاقة لآليات هذه البنوك -حتى لو سميت إسلامية- بالمضاربة التقليدية، هذا إضافة إلى أنني أشرت إلى أن هذه المضاربة التي يقال إنها مضاربة إسلامية هي نفسها لم يضعها أو يستعملها الفقهاء إلا تحايلا على التفسيرات الموجودة لمعنى الربا، ولا وجود في القرآن لا للمضاربة ولا للمرابحة وهذا يستطيع التأكد منه أي قارئ للقرآن، ثم كيف يمكن أن تكون هناك أية علاقة، والمضاربة والمرابحة في القديم كانت تتم بين شخصين (فردين) أو أكثر، بينما التعاملات البنكية اليوم تتم بين مال ومال دون اعتبار الأشخاص ؟ لنضيف سؤالا آخر :
ج) ـ هل يعقل أن يترك نظام حديث ومعاصر من أجل الانقضاض والعض بالنواجذ على نظام اصطنعه الفقهاء قديما ؟ أم أن العجز وصل بنا إلى درجة لم نعد نستطيع معها مجاوزة القرن الثاني هجري إلا لكي نعيش في اجتهادات وآراء القرن الثالث هجري ولا نتعداها أبدا؟


2ـ الاقتصاد الإسلامي

إن كلمة «بنك إسلامي» تثير إشكالا كبيرا، يتعلق الأمر بارتباط الأبناك بنظام اقتصادي معيّن، وكل اقتصاد يرتبط بنمط إنتاج معين، به يتميّز وتتحدد معالمه، فإذا قلنا : «بنك إسلامي»، هل معنى ذلك أنه يمكننا الحديث عن اقتصاد إسلامي ؟ ولكن تعترضنا مسبقا مشكلة ظهور الاقتصاد كعلم، فهو حديث النشأة إذ تزامن ذلك مع النهضة الصناعية، يقول محمد سعيد العشماوي : «ففي الماضي، وحتى النهضة الصناعية التي بدأت في القرن السابع عشر، كان الاقتصاد في العالم كله -وفي البلاد الإسلامية بطبيعة الحال- مؤسسا على الرعي، وتربية المواشي، والمقايضة، والتبادل التجاري المحدود، والصناعات اليدوية البسيطة، وفي مثل هذا الوضع لا يقوم نظام اقتصادي كامل، بل تسود قواعد بدائية عامة أدنى ما تكون إلى التدبير المالي، فالاقتصاد كعلم شامل، لم ينشأ إلا مع النهضة الصناعية».
(محمد سعيد العشماوي، جوهر الإسلام، سينا للنشر، القاهرة، ط. الثالثة، 1993، ص. 91).
فماذا يقصد الخطاب الديني من عبارة «اقتصاد إسلامي»، يجيبنا محمد باقر الصدر بما يلي : «فنحن حين نطلق كلمة : الاقتصاد الإسلامي لا نعني بذلك علم الاقتصاد السياسي مباشرة، لأن هذا العلم حديث الولادة نسبيا، ولأن الإسلام دين دعوة ومنهج حياة وليس من وظيفته الأصلية ممارسة البحوث العلمية .. وإنما نعني بالاقتصاد الإسلامي : المذهب الاقتصادي للإسلام، الذي تتجسد فيه الطريقة الإسلامية في تنظيم الحياة الاقتصادية، بما يملك هذا المذهب ويدل عليه رصيد فكري، يتألف من أفكار الإسلام الأخلاقية والأفكار العلمية الاقتصادية أو التاريخية التي تتصل بمسائل الاقتصاد السياسي أو بتحليل تاريخ المجتمعات البشرية».
(محمد باقر الصدر، اقتصادنا، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1991، ص. 29).
وكأن باقر الصدر أحس بالتنافر بين كلمتي «اقتصاد» و«إسلامي» وبأن العبارة مصابة بانفصام في «الشخصية» أراد لفت الانتباه إلى أن الأمر يتعلق بمذهب اقتصادي إسلامي وليس بعلم اقتصاد -لأن هذا حديث الولادة-، وهي تخريجة توحي لنا بأن عبارة «الاقتصاد الإسلامي» عسيرة على الهضم خصوصا وأن دور الاقتصاد كعلم يتحدد أساسا في : «تنظيم الإنتاج وترشيد الاستهلاك وتوظيف العمالة وتخطيط التنمية وضبط المبادلة وتطوير الصناعة وتحريك رأس المال وبيان قاعدة النقد وتحديد سعر الصرف والسيطرة على حركة الأسعار وتنشيط التجارة الداخلية، وما إلى ذلك من مواضيع لم تكن موجودة أو معروفة عندما اتجه الفكر الإسلامي السلفي إلى وضع قواعد التدبير المالي للمساقي (الموارد) والمصارف».  (العشماوي، جوهر الإسلام، ص. 91).
وهذا التحديد للاقتصاد كعلم بعيد عمّا ذكره باقر الصدر عن المذهب الاقتصادي كمجموعة من الأفكار الأخلاقية والعلمية ... إلخ، التي تنظم الحياة الاقتصادية ؛ والسؤال الآن : لماذا الإصرار على استعمال عبارة « الاقتصاد الإسلامي» مع أن الأمر لا يتعلق بعلم الاقتصاد ؟ ثم هل توجد في القرآن طريقة لتنظيم الحياة الاقتصادية أو بمعنى آخر نمط معين للإنتاج أو تنظيم وسائل الإنتاج ؟

* نشر الجزء الأول من هذه الدراسة بجريدة الأحداث المغربية يوم الأربعاء 2 غشت 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق