من قصور الشاه إلى سجون الثورة الإيرانية
رحلة مع حسن ناراغي
عبد الواحد بنعضرا
عندما تحدث لي أخي
عبد اللطيف بنعضرا والرفيق عبد الرحيم تافنوت عن هذا الكتاب، أول مرة، ركزا على رجال
الدين الإيرانيين وانقلابهم على حلفاء الأمس من التيارات اليسارية ونكبهم إياهم.
عندما قرأت الكتاب اكتشفت فيه أشياء أخرى.
الكتاب عبارة عن
قسمين كبيرين، يتضمن القسم الأول حوارات أجراها مؤلفه، وهو عالم اجتماع ويترأس
مركزا للعلوم الإجتماعية بإيران، مع الشاه في أيامه الأخيرة. أما القسم الثاني فهو
مذكرات المؤلف في سجون إيران بعد "الثورة الخمينية".
وأنا أقرأ كتاب من قصور الشاه إلى سجون
الثورة (Des Palais du Chah aux prisons de la révolution) يتأكد لي مرة أخرى أن الحركات المعارضة في المغرب لم تكن تمارس
معارضتها على أرض الواقع المغربي، بالمقابل يظهر أن الحسن الثاني، كان
يمارس دوره كملك للمغرب، لذا كان أكثر فعلا على أرض الواقع وأكثر تأثيرا،
بينما كانت المعارضة تمارس دورها لا كمعارضة في أرض مغربية بواقع
مغربي، ولكن كمعارضة هلامية يمكن أن تكون في روسيا القيصرية أو فرنسا، أو
أمريكا اللاتينية أو أي مكان آخر إلا المغرب، ولذا كان فعلها أقل، وتأثيرها
هامشي. وإذا استعرنا من الأستاذ عبد الله العروي عبارة "لا دولة
الخلافة" فيمكن أيضا أن نتحدث عن "لا دولة الاشتراكية" و"لا دولة
الشيوعية"، إنها نفس الطوبي، والنتيجة هي الفعل خارج التاريخ.
أقول هذا الكلام وأنا أرى كيف استفاد الحسن الثاني من تجربة الشاه ومن علاقته به، وأحسب أنه أيضا استفاد من هذا الكتاب الذي بين أيدينا، والصادرة طبعته الأولى هذه سنة 1991، وللمصادفة فهذه الفترة تميزت بالحوار مع الكتلة الديمقراطية.
كثير
من القضايا طرحها ناراغي مع الشاه ابتداء من قضية أسلمة الشباب، مرورا بالجمع بين
الثروة والسلطة، واستغلال أسرة الشاه للنفوذ لاحتكار الصفقات والشركات
والسطو على الممتلكات العامة، تسمية المؤسسات والمنشآت بأسماء أسرة الشاه،
تضييع الفرص كلما سنحت الفرصة لتدارك الأخطاء من طرف الشاه، قضية يسود
الملك ولا يحكم (Le souverain doit
régner et non gouverner)، مشكل التقنوقراط الذين يجيبون
عن الأسئلة المطروحة ويفتقدون القدرة على المبادرة والإبداع، لذا يفتقدون لرؤية
شاملة وعميقة، فقد تحل أجوبتهم المشاكل مؤقتا، ولكنها تؤدي لكوارث على المدى
المتوسط والبعيد. الحديث عن المعتقلين السياسيين، عن الحريات ، عن العلاقة بين
السياسة والدين، المؤسسة العسكرية، قضية الأمن، الهوة بين الفئة المتنفذة
وفئات المجتمع المسحوقة، العلاقة مع القوى الغربية... وغيرها من الأمور العديدة...
عندما
أستحضر تجربة العدل
والإحسان، وكيف حاول عبد السلام ياسين النسج على منوال الخميني، أنظر إلى اختلاف المذهب
المنتشر في المغرب وإيران، ففي إيران طبيعة المذهب الشيعي تجعل الإنسان الإيراني يتشوف
للنموذج الكامل نموذج المهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلا ونورا، وهو
ما يجعل المذهب الشيعي ــ حسب المؤلف ناراغي ــ مذهبا صالحا للثورة خاصة
مع مجهودات علي شريعتي الذي نظّر لرؤية جديدة للتدين تجمع بين خصائص
المذهب الشعي وحركات التحرر العالمثالثية، وهو ما استفاد منه لا حقا فقهاء
الحوزة بقم... لينبه ناراغي الشاه إلى أنه محاصر بين نموذج علي بن أبي طالب ونموذج
المهدي المنتظر، لأقول بأن العدل والإحسان أيضا كانت ومازالت تفعل خاج
الزمن خارج التاريخ. بل إن من أعطاب حركة 20 فبراير الأساسية هو الفعل خارج الواقع
المغربي، واللعب في الهامش لا حقا.
لذا أقول أنه من
المفيد للسياسيين قراءة هذا الكتاب، مع استحضار شيء أساسي أن التاريخ لا يعيد نفسه
أبدا.
* نشر المقال بجريدة الأحداث المغربية يوم الأربعاء 4 دجنبر 2013
وأعيد نشره بنفس الجريدة عدد السبت/الأحد 14 - 15 دجنبر 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق