الجمعة، 16 يناير 2015

لماذا السماء زرقاء، أو ما سبب الإرهاب؟ بقلم عبد الواحد بنعضرا*

لماذا السماء زرقاء، أو ما سبب الإرهاب ؟

عبد الواحد بنعضرا
من بين سلسلة الرسوم المتحركة التي نالت إعجاب الكبار والصغار معا منذ سنين، سلسلة مدبلجة اختير لها اسم "حبيب ولبيب" في نسختها العربية، وهي سلسلة مليئة بالمواقف الطريفة لهذين الثعلبين، وفي أحد هذه المواقف دار بينهما الحوار التالي : 


-  حبيب ؟ 
-  ماذا تريد يا لبيب ؟ 
-  لماذا السماء زرقاء ؟ 
-  يا غبي، لأن الأرض خضراء.


 بيد أن هذه الحكاية تتكرر في مناسبات عدة كلما كان محور النقاش هو "الإرهاب"، فكلما طرح التساؤل عن أسباب الإرهاب إلا وجدت الإسلامويين والقوميين وقناتهم الجزيرة القطرية يحيلونك على ما يقع في فلسطين وعلى احتلال أمريكا للعراق -أضيفت إليها بريطانيا بعد 07 يوليوز 2005 - وليطمئن الجميع، أصحاب هذا الكلام والمستمع أو المتلقي، على خيالاتهم ... وأخشى يوما إن وقع انفجار كبير في كوكب ما أو مذنب ما، أن يطلعوا علينا كعادتهم ويخبرونا بما يلزم إخبارنا به : أن سبب هذا الانفجار هو القضية الفلسطينية أو العراقية. غير أن ما أحب أن أشير إليه هو أن حركة الإخوان المسلمين عندما بدأت عملياتها الإرهابية في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، لم تكن أمريكا تحتل العراق ولا مصر تحتل فلسطين. كما أنه عندما وقعت مأساة 16 ماي 2003 لم يكن المغرب يحتل لا فلسطين ولا العراق. فإلى أين يقودنا هذا التحليل العجيب -ولا أقول المتكاسل لأنه أدلوجي- لأسباب الإرهاب ؟ إنه أولا يجعل من بن لادن مناضلا وصاحب قضية، وماذا يعني ذلك ؟ يعني بالدرجة الثانية أن ما يقوم به في صالح القضية الفلسطينية والعراقية .. وماذا يستلزم هذا ؟ يلزم ثالثا الدفاع عن الرجل والسير معه على الدرب حتى يتحقق "النصر" المأمول ... ورابعا، تعرفونه جميعا : مزيدا من الدمار والإرهاب. هذه رسالة واضحة يخططها القوميون والإسلاميون وجزيرتهم القطرية. والسؤال البسيط الذي أطرحه هنا هو : لماذا لا يذهب بن لادن وعصبته وزمرته رأسا لمواجهة الجيش الإسرائيلي ؟ لماذا لا يذهب بن لادن رأسا لمواجهة الجيش الأمريكي في ميدان القتال ؟ أما التجرؤ على المدنيين الضعفاء الأبرياء والذين لا حول لهم ولا طول من المسلمين وغير المسلمين، فإن له غايات أخرى هي نفس الغايات التي من أجلها يشعل أصحاب المخدرات وتجار السلاح الحروب، وهي التي من أجلها تبلبل الدنيا كيما ترتفع عملة على حساب أخرى ؛ وبن لادن نفسه ليس إلا تاجرا. لقد ظل لسنوات عديدة في أفغانستان ولم يبن حتى مدرسة ولا مستشفى أو حتى قناة للصرف الصحي أو قناة لجلب المياه الصالحة للشرب أو لإحياء الأرض الميتة ... ولم يساهم إلا في إحراق البلاد وزرع الأحقاد وفت الأكباد ... وبصفة عامة لم يقترب لا من بعيد ولا من قريب من التنمية والتي هي معركتنا الحقيقية بعيدا عن الحروب والقتال. فهل يمكن أن يكون بن لادن إذن صاحب قضية إنسانية ؟ ودواعي الإرهاب تلتمس في عدة أسباب ولا يكفي استحضار سبب واحد أو الوقوف عند دواعي من يأمرون به أو يخططون له، بل والنظر في دواعي المنفذين أيضا ماديا واجتماعيا ونفسيا وأدلوجيا ... ثم إن الحكاية لم تقف عند هذا الحد، فحتى تعريف الإرهاب تمّ الرجوع به كمفهوم سياسي إلى الثورة الفرنسية، والمعنى واضح هو أن الإرهاب ليس وقفا على المتدينين، فها هم التنوريون الفرنسيون فعلوا ذلك أيضا !!! وبالتالي تبرئة الأدلوجة الدينية والخلوص إلى أن سبب العمليات الإرهابية هو احتلال فلسطين ... مرة أخرى تتكرر الحكاية : فالسماء زرقاء لأن الأرض خضراء، وعوض البحث عن الأسباب يتم ركوب العجاب واعتبار القضية الفلسطينية أو حتى العراقية هي سبب الإرهاب، لو طارت عنزة ... وبعد، أفليس كثير من بني قومنا يتصرفون كالمستجير بالنار من الرمضاء ؟

* نشر في الاحداث المغربية عدد الاربعاء 27 يوليوز 2005


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق