في ذكرى 16 ماي حتى لا ننسى :
على الدولة أن تكون حازمة ولا تفرط في
هيبتها
عبد الواحد بنعضرا
السائرون خلفا، الحاملون سيفا، المتكبرون صلفا، المتحدثون
خرفا، القارئون حرفا، التاركون حرفا، المتسربلون بجلد الشياه، الأسود إن غاب
الرعاة. الساعون إن أزفت الآزفة للنجاة، الهائمون في كل واد، المقتحمون في مواجهة
الارتداد، المنكسرون المرتكسون في ظل الاستبداد، الخارجون عن القوانين المرعية، لا
يردعهم إلا توعية الرعية، ولا يعيدهم إلى مكانهم إلا سيف الشرعية، ولا يحمينا منهم
إلا حزم السلطة وسلطة الحزم، ولا يغني عن ذلك حوار أو كلام... (فرج فودة)
المأساة السوداء في ليل بهيم اخترق
الحقد واحة الحنين، جف الوادي وتداعى له سائر الفضا بالشوق والأنين، ونجوم شاهدات
كأن لم تر غور الماء وطعن الآمال وتحجر المآقي بعد الليالي الطوال، وحقد يطعن باسم
الحب، وحب برداء هزال.. 16 ماي: لا ترى إلا أشلاء القتلى، ولا تسمع إلا آهات
الثكلى وأنات الجرحى وصراخ اليتامى، أجساد مزقت ومباني حطمت ونفوس هشمت، وقد يبرأ
الجسم من بعض آلامه، ولكن جرح النفس لا يطيب..
ذكرى الأحبة والضحايا أهكذا نحيى ذكرى الأحبة في القلوب، أهذا ما نكنه للضحايا في النفوس، لقد كنا ننتظر أن تسمى بأسماء بعضهم مركبات رياضية (كمركب فاس بالنسبة لبكار)، أو مؤسسات ثقافية أو فنية أو شوارع أو أزقة، وأن تقام مهرجانات وندوات وتمنح جوائز تسمى بأسماء الضحايا.. وكنا ننتظر، ولكن.. ولكن وقع المحظور..
ذكرى الأحبة والضحايا أهكذا نحيى ذكرى الأحبة في القلوب، أهذا ما نكنه للضحايا في النفوس، لقد كنا ننتظر أن تسمى بأسماء بعضهم مركبات رياضية (كمركب فاس بالنسبة لبكار)، أو مؤسسات ثقافية أو فنية أو شوارع أو أزقة، وأن تقام مهرجانات وندوات وتمنح جوائز تسمى بأسماء الضحايا.. وكنا ننتظر، ولكن.. ولكن وقع المحظور..
هل صار الظالم مظلوما في الذكرى الثانية لمأساة 16 ماي،
فجأة اكتشف القوم أن الإرهابيين أبرياء، وأن القتلة حمائم سلام، والمتطرفين أنشودة
الوئام، هل من يكفر الدولة والدساتير ويجعل من نصره القاعدة وبن لادن واجبا شرعيا
يجب أن يمر دون أن يساءل أو يحاسب؟ هل من المعقول أن يترك له الحبل على الغارب،
وأين هيبة الدولة إذن؟ ما فائدة القوانين والدستور إذن؟ في أحد أعدادها الشهيرة
الذي خصصته «الأيام» لتصريحات شيوخ السلفية الجهادية، (الكتاني، الحدوشي، الشاذلي)
جاء في كلام أبي عبيدة (عبد الكريم الشاذلي) مايلي: «إن هذه الدساتير.. هي آلهة
معبودة من دون الله، يكفر كل من وضعها أو شارك في وضعها، ويكفر كل من تحاكم إليها
أو دعا إلى تحكيمها والتحاكم إليها، كما يكفر كل من عظمها أو دعا إلى تعظيمها
واحترامها..» (جريدة الأيام، 17-11 يوليوز 2002 العدد 45). وبخصوص البرلمان، يضيف
الشاذلي: «أما البرلمان، فهو وسيلة تطبيق الديمقراطية الشركية التي تمنح البشر
الحق المطلق في التشريع فتجعلهم أربابا مشرعين من دون الله...» (الأيام، نفس
العدد). وإذا علمنا أن الشاذلي -صاحب هذا الكلام وغيره مما هو أفظع- قد أسس إلى
جانب عبد الإله بن كيران -العضو القيادي بحزب العدالة والتنمية- وآخرين جمعية
الجماعة الإسلامية التي تحولت إلى حركة الإصلاح والتجديد فيما بعد، ثم استقال منها
سنة 1985، فهمنا لماذا يدافع القوم عن شيوخ السلفية الجهادية، وأدركنا أن وراء
الأكمة ما وراءها..
هيبة الدولة: في سنة 2000 كنت قد
طالبت بإصلاح الأوضاع الاجتماعية والمادية للمواطنين عامة، وإصلاح مناهج التعليم،
من أجل علاج أسباب التطرف وتفادي الدخول في معارك تكون من ورائها فتنة وفساد
كبير.. أما اليوم فأطالب أيضا بذلك، ولكني أشدد على شيء آخر، هو أن تحافظ الدولة
على هيبتها وألا تتراجع أمام نعيق الغربان، فأن تذعن الدولة لما يريده القوم ستجعل
المتطرفين والإرهابيين أكثر جرأة. لماذا؟ لأنهم تحسسوا في الدولة قوة فوجدوا
ليونة، وعجموا عودها فما وجدوه صلبا، وضغطوا عليها فتراجعت أمام نعيقهم، فما أسهل
أن يعودوا لما كانوا عليه وأشد، ماداموا على يقين أن صياحهم -أو إضرابهم عن
الطعام- سيرغم الدولة على الإذعان، لذا أطالب بمزيد من الحزم، فما في هذا الأمر
يمكن التساهل، وما هكذا يجب أن تذهب دماء الضحايا رخيصة، وإلا فإن التطرف والإرهاب
سيتأكد أنه الأقوى وأنه قادر على الضرب في كل حين، وأن الدولة ستعفو وتصفح من
جديد، فحذار، حذار من التهاون من غياب الهيبة حذار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق