الثلاثاء، 27 يناير 2015

سؤال موجه إلى محمد يتيم: كيف اختلف كلامك اليوم عن كلامك في السابق؟، بقلم عبد الواحد بنعضرا*

سؤال موجه إلى محمد يتيم :

 كيف اختلف كلامك اليوم عن كلامك في السابق؟

عبد الواحد بنعضرا

فوق الدار البيضاء الملائكة لا تحلق، ولا فوق الرباط، ولا كل ربوع الوطن... إننا نحتاج إلى من يذكّرنا بهذا في بلد حلت فيه على جناح التخلف ملائكة من نوع خاص.. أطهار، أتقياء، لا تشوب دخيلتهم شائبة ولا يعكّر صفو سريرتهم مكدر، تشِعُّ من وجوههم براءة نقية كنقاوة ماء المطر، جاؤوا لينتشلوننا من أوحالنا.. ولا تغمض لهم عين ولا يرِّف لهم جفن، ولا يسكن لهم خاطر ولا يهدأ لهم بال، ولا كِسرةُ خبز تُبتَلع لهم، والماء إن بلّل لسانهم نزل مُرًّا على صدورهم، اعتلّت صحتهم وجف الدم من خدودهم، خارت قواهم ودب الهُزال في أجسامهم، إذا رأيتهم تحسبهم أشباحا وإذا دققّت النظر عرفت كمْ بلغ حبهم للإنسانية... القديسون الأطهار، البررة الأخيار.. لا يكذبون ولا يبدّلون. دبّ الوهن في أوصالهم مما ألَمَّ بهم من أسف وندم وحسرة وهَمٍّ مما أصابنا «نحن» الأشقياء، نحن الأشرار، نحن الذين غُصنا في الجاهلية إلى شحمة الأذن.. فنحن الذين نشعل الحروب لقتل الأبرياء وسبي النساء، ونحن من يختفي وراء النصوص كاللصوص، وربما نحن من جعل من الدين مطية.. وبعد.. وأنا أقرأ مقالا لمحمد يتيم بعنوان: «اللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك واحي بلدك الميت»، وقعت عيني على كلام يخرج من ذهنه كما يخرج العرق من مسام الجسد.. أفكلما جذب أحدهم جذبة ورَشَحَ منه العرق فمسحه بالورق حتى يقوم بنشر ما سوّد به الورق من عرق على الملأ، إنه كما قيل للسم الترياق وللعشق التلاق وللفراق اللقاء وأقول وللعرق النقاء- نقاء الفكر أقصد-، فمما جاء في هذا المقال: "وهذا التوجه الإسلامي التلقائي عند المغاربة منطلق من عقيدتهم الإسلامية ومما يجدونه ويفهمونه من نصوص القرآن والسنة، والتي تربط بين الاستقامة والتوبة المتواصلة والاستغفار والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، وبين رحمة الله وغيثه" (محمد يتيم، جريدة التجديد، فاتح فبراير 2005 العدد 1079). ما دهاك يا رجل، أهذا كان كلامك سابقا؟ ولعلك طبقت حرفيا مقولة: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما».. وللناس فيما يتآخون فيه مذاهب!! وحاولت أن تهرب إلى الأمام - من التسونامي إلى الاستسقاء- وأنت تضمر ضرب طرف بطرف، فقد فاحت رائحة مقدمة مقالك عطنا، بيد أنك لم تضرب إلا كفا بكف، وأخشى ألا تجد في الأخير ما تضربه كفك إلا قفاك، فمن شب على شيء شاب عليه... يقرئك أبو الطيب المتنبي سلاما ويقول لك:
                   
يقلي مفارقة الأكف قذاله      
حتى يكاد على يد يتعمم

 ولأنك لم تعرف ما تقدم ولا ما تؤخر، وقد دفت عليك دافة من الأوامر لنصرة "أخيك"، فلم تجد خيرا من الهروب إلى الأمام، ممنيا النفس بأن تبقى سالما بين رهطك آمنا في سربك، لا تهيجك هيعة ولا تحركك صيحة، بيد أني أطلب منك أن ترجع إلى الوراء - إلى سنوات- لا لتفتش المقابر فلن تجد فيها بقايا من الحياة إلا العظام، ولكن لتقرأ ما كتبته سنة 1989، ولا تخف فالطائرة جاهزة فلا تقل لي بأنك تخاف من العطب، فلدينا من الفقهاء في هذا البلد من يطير العنزة لا الطائرة فقط، ثم مالك والخوف فإننا بخرّناها بالصندل وند العود، رسمنا فيها خميسة وعينا لينغرز في عين الحسود عود. ولا تقل لي بأن الطائرة تم اختراعها تبعا للقوانين السببية ونحن لا نربط بين الأسباب والمسببات، فهذا مما لا أحبه منك فأنت تعلم ما أفتى به الشيخ الشعراوي (بأن الله سخر الغرب الكافر لخدمتنا)، أم أن إيمانك اهتز!؟ إياك ثم إياك.. أم أنك تهفو لترديد تلك العبارة (ويل لأمة لا تلبس مما تصنع ولا تأكل مما تزرع)، فهذا مما عفا عنه الزمن، هم يزرعون ونحن نأكل، وهم يعملون ونحن شاكرون حامدون، ثم مالنا وهذا الكلام، إن وقعت الواقعة فالدابة تأخذنا طيرانا على جناح الأمان إلى لندنستان، فهناك أموالنا الحلال ومصالحنا العظام، وأدام الله ما بيننا وبين إفرنجة الإنجليز من شهر العسل.. وإذا أردت الآن الإطمئنان على أغراضك هناك فدونك الهاتف المحمول والحاسوب والانترنت، تمتع بالتكنولوجيا وبارك الله في شيخنا ورحمة الله تصب عليه فلقد جعل من فتواه لنا هذه بلسما لجراحنا النفسية وشفاء من عقدة النقص ونفخ فينا الاعتزاز بالنفس... أم أنك تريد أن تسافر عبر بوابة الزمن وحتى لو أراد إنشتين أن يكون السفر بها إلى المستقبل فلا بأس أن تكون من أجل عيوننا المكتحلة - بالكحل- سفرا إلى الوراء... هذا الإنشتين الذي أتعب نفسه بالقراءة والبحث والتجربة جريا وراء نسبية عجيبة ونظريات غريبة، وما أغناه عن هذا كله وليته ظل قاعدا في بيته ثاويا في منزله حتى تتنزل عليه النظريات رغدا، فلا يشتعل رأسه شيبا ولا يهرم جسمه همّا... إذن لنفتح بوابة الزمن، وأنت أيضا عزيزي القارئ اربط أحزمة الأمان وضع نظارة - ومن الأفضل أن تكون عدسات مكبرة - لكي تتأمل جيدا في كلام محمد يتيم وتدقق فيه النظر، وانطلق معنا في سفر عبر الزمان.. نحن الآن في سنة 1989، وهذا ما كتبه الرجل: "والسنن أو الكلمات الكونية ثابتة لا تتغير، وهي مضطردة فكلما كانت أسبابها إلا وتبعتها نتائجها. وهي ربانية أي أنها تعبر عن إرادة الله التي اقتضت أن تتصرف في الكون والنفوس من خلال سنن تمثل حكمته وتدبيره، وكونها ربانية لا تلغي إرادة الإنسان، بل إن هذه الإرادة ذاتها من أمر الله وكلماته والمؤمن يدافع القدر بالقدر" (محمد يتيم، العمل الإسلامي والاختيار الحضاري، منشورات جمعية الجماعة الإسلامية الدار البيضاء، 1989، ص. 26 - 27). ودقّق النظر وأعد الكرة وتأمل عزيزي القارئ، وضع خطوطا عديدة تحت العبارات التالية: (ثابتة لا تتغير)، (فكلما كانت أسبابها إلا وتبعتها نتائجها) و(لا تلغي إرادة الإنسان).. وحتى لو غلّف محمد يتيم كلامه هنا قليلا، فهو بعيد كل البعد عما قاله في جريدة التجديد، فدونك ما يلي من مقاله المذكور: "ولهم نؤكد ونقول إن المغاربة سيظلون متشبثين بثقافتهم الإسلامية التي تحثهم على الاعتبار ومراجعة الذات ونصيحة بعضهم بعضا لمراجعة علاقتهم بالله سبحانه وتعالى أفرادا وجماعات، ولن يسمحوا لهم بممارسة الإرهاب الفكري عليهم وتكميم أفواههم ونعت توجههم لله لأداء صلاة الاستسقاء، وربطهم بين صلاح الأخلاق وصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بأنه ظلامية ورجعية" (محمد يتيم، جريدة التجديد، نفس العدد). وسنعود إلى سنة 1989 لنعيد التأمل في كلامك هناك، فبعد استشهادك بفقرة طويلة من ظلال القرآن لسيد قطب، ثمنت ما فيها وزدت مضيفا: "وهكذا ففي مجال العمل الإسلامي فإن من شروط تحقيق الغايات الوعي بالسنن والعمل من خلالها، وإن أي تخلف في النتائج إنما يعبر عن تخلف في الأخذ بالأسباب، ومن هنا يكون إدراك سنن التغيير الاجتماعي والحضاري إحدى أسباب النصر، وقد بين سبحانه أن من طبيعة السنن أنها شاملة عامة للناس جميعا مؤمنهم وكافرهم، قال تعالى: ( كلا نمد، هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ) (الإسراء/20). فهي لا تحابي أحدا كافرا كان أم مؤمنا، فمن أخذ بأسبابها وصل إلى النتيجة ومن اصطدم بها وحاول القفز من فوقها عوقب في الدنيا على الخطأ باعتباره قد خالف سنة الله في خلقه. إن إخلاص النية لله عز وجل والحماسة للفكرة الإسلامية لا يكفيان لوحدهما، كما أنهما لا يضفيان ظل القدسية على العمل الذي يمكن أن يخطئ التقدير فيحاسب ويمتحن على الخطأ في الدنيا بينما يثاب على النية والسعي في الآخرة»، (محمد يتيم، العمل الإسلامي والاختيار الحضاري، ص. 28).

لماذا اختلف كلامك اليوم عن كلامك السابق بأزيد من مائة درجة؟ ألأنك لم تفعل أكثر من نصرة "أخيك"، ولكل مقام مقال فالفتاوى جاهزة حسب الطلب والمناسبة!! لكن الخطير في المسألة أن تقحم الدين في حديثك وهو في السياسة أدخل، لأنه لو كان الأمر أمر دين فإنك على غير هدى في إحدى الحالتين وهذا ما لا نحبه لك، وإن كان الأمر أمر سياسة - وهو كذلك حقا- قلنا لك انزع القناع من على وجهك وأخبرنا إن كان من الممكن جمع النقيضين كلامك بالأمس (فهي لا تحابي أحدا كافرا كان أم مؤمنا، فمن أخذ بأسبابها وصل إلى النتيجة...). وبين تأكيدك اليوم على الربط (بين صلاح الأخلاق وصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية)، ولاحظ أنك في كلتا الحالتين استعملت النصوص لتبرير رأييك المتناقضين، سواء ما بثته منها بين ثنايا مقالك أو ما استعرضته على صفحات كتابك.. عزيزي القارئ أتركك لتفكر جيدا هل يمكن أن يجمع أي عقل بين الفكرتين؟، كان هذا فصل المقال ما بين كلام محمد يتيم السابق وكلامه اللاحق من تناقض وانفصال، وإن من يخلط بين السياسة والدين كمن يخلط بين الحبة والجنة وبين الشعير والسعير، وما وضعت النقط على الحروف إلا لرفع اللبس وتوضيح المعنى...

*نشر بجريدة الأحداث المغربية عدد الأربعاء 9 فبراير 2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق