أيها المكفّرون.. لقد كان لكم في رسول الله إسوة
حسنة...
عبد الواحد بنعضرا
انساح في الساحة مؤخرا قاموس من السباب والشتائم
والقذف... والوعيد والتهديد وهلم تكفيرا ورميا بالإلحاد والدعوة لإشعالها حربا
ضروسا تدك معاقل العلمانيين، وتستأصل شأفتهم، ولا تبقي منهم فاجرا ولا ديّارا...
والحاصل أنها أشياء تستدعي أن يتصدى لها الإنسان، ولا يدعها تمر فهي صيحة في واد ولقد تذهب غدا بالأوتاد.. أوتاد هذه البلاد..
نذكركم بما جاء في المادة الأولى من الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان الصادر في 10 دجنبر 1948، فهي تنص على الآتي: « يولد جميع
الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلا وضميرا، وعليهم أن
يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء ».. إعلان حقوق الإنسان هذا الذي له تنكرون
وفي السجون تتذكرون ! فعلى أي أساس أنتم للناس تُرهِبون؟
عندما أقلّب بين يدي آيات القرآن تستوقفني هذه الآية: "وإنك
لعلى خُلق عظيم" (القلم/4). وأنظر في آية أخرى، فأرى أن القرآن يجعل من ذي
الخلق العظيم إسوة لمن كان يريد الآخرة، ويبتغي وجه الله: "لقد كان لكم في
رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا"
(الأحزاب/21). وأحاول أن أفهم العلاقة بين قاموس السب والقذف والتكفير وبعض ما ورد
في كتب الحديث، فأجدني بين مواقف عديدة؛ أختار منها روايتين مما تعرفون وتحفظون عن
ظهر قلب، أو هكذا يُفترض؛ فقد واجه الرسول مواقف صعبة، بعضها وصل إلى محاولة
القتل، فاكتفى بأن رفع دعاء يقول فيه: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة
حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من
تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدوّ ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا
أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنورك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر
الدنيا والآخرة أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى.." (السيرة
النبوية لابن هشام، ج2، ص. 33 و 34)، وعندما بال أعرابي في المسجد، قال لأصحابه: دعوه،
واهريقوا على بوله سجلا من الماء فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين (البخاري،
الحديث، 6025، و220)، وهذا ينسجم مع ما جاء في القرآن "كلمة طيبة كشجرة
طيبة.."(إبراهيم، الآية، 24-26).
وإني أحسب أن المسافة كبيرة بين ما روي عن ذي الخلق
العظيم، وبين ما تدّعون أيها المكفّرون، فقد بعدت الشقة بين ما تقولون وما
تفعلون... وأتساءل كيف يستقيم أن يكون النبي رحمة للعالمين "وما أرسلناك إلا رحمة
للعالمين" (الأنبياء/107) وأن تكونوا نقمة على العالمين، وتَسْلِقوا الناس
بألسنة حِدَاد، وتشعلونها فتنة.. لا تبقي ولا تذر؟
فإن كنتم ترجون يوما لا بيع فيه ولا خِلال.. فلكم في
رسول الله إسوة حسنة، وإن كنتم ترجون شيئا آخر، فإنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ
ما نوى، "فمن كان هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت
هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" (البخاري، الحديث
الأول، والحديث 54).
* نشر بجريدة الأحداث المغربية عدد 16 ماي 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق