الخميس، 1 يناير 2015

جريدة التجديد والحجاب، بقلم عبد الواحد بنعضرا*


جريدة التجديد والحجاب

عبد الواحد بنعضرا

تحت عنوان "خديجة بن قنة والتحدي الجديد" كتبت د. رقية المحارب في جريدة التجديد تقول: "خديجة بن قنة مذيعة قناة الجزيرة التي سجلت نجاحا لفت إليها الأنظار، أجبرت وكالات الأنباء العالمية لتناقل خبرها بارتدائها للحجاب.. وهو عمل يعكس ما تنطوي عليه نفسها الخيّرة، حيث تعلن بوضع الحجاب استجابتها لأمر ربها الذي يقول: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمورهن على جيوبهن) وتعلن في الوقت نفسه دعوتها لجميع المذيعات ليحذين حذوها ويرتدين الحجاب الذي يعني انتماءهن لهذا الدين.. فلا يكفي أن يكون اسمها خديجة أو منى، ليكون معبرا عن ديانتها، فقد تحمل هذه الأسماء عربيات، ولكن ليس شرطا أن يكن مسلمات".

ونود أن نلفت نظر د. رقية المحارب إلى مسألتين الأولى: "أن الخمار يعني الغطاء عامة، ومثاله: "خمّروا الآنية" أي غطوها، وبالتالي فإن الآية ليست قطعية الدلالة، فقد يكون المقصود منها الأمر بتغطية الصدر بأي غطاء دون أن تتضمن أمرا بتغطية الرأس (والمسألة ككل فيها أخذ وردّ وليس هنا محل تفصيلها).

والثانية: أن تغطية الرأس أو الحجاب ليس شأنا إسلاميا أو إسلامويا، بل هو بالأساس شأن مسيحي حيث جاء في الإنجيل في الرسالة التي خصصها بولس الرسول لأهل كورنثوس ما يلي: "لكني أريد أن تعرفوا أن المسيح رأس الرجل، والرجل رأس المرأة، والله رأس المسيح، فكل رجل يصلي أو يتنبأ وهو مغطى الرأس يهين رأسه، أي المسيح، وكل امرأة تصلي أو تتنبأ وهي مكشوفة الرأس تهين رأسها، أي الرجل، كما لو كانت محلوقة الشعر، وإذا كانت المرأة لا تغطي رأسها، فأولى بها أن تقص شعرها، ولكن إذا كان من العار على المرأة أن تقص شعرها أو تحلقه، فعليها أن تغطي رأسها، ولا يجوز للرجل أن يغطي رأسه لأنه صورة الله ويعكس مجده، وأما المرأة فتعكس مجد الرجل، فما الرجل من المرأة، بل المرأة من الرجل، وما خلق الله الرجل من أجل المرأة، بل خلق المرأة من أجل الرجل، لذلك يجب على المرأة أن تغطي رأسها علامة الخضوع من أجل الملائكة". (وهذا ما يفسر لباس الراهبات les sœurs ) وهو أمر مرتبط بالبنى الاجتماعية التقليدية والمعتقدات القديمة، يقول علي زيعور: "لماذا يكون من العيب على المرأة أن تترك غطاء وجهها، أو تنزع غطاء شعرها على الأقل؟ القضية موجودة قبل الإسلام، وقوامها تلك النظرة إلى المرأة كرامز لقوى مجهولة، ففي الجاهلية كان الغطاء يعطى للشريفة في الكعبة عند البلوغ، إذن الحيض هو المؤشر، أي المرحلة الفاصلة بين الحياة الحيادية للأنثى وبين حياتها ذات الأبعاد الخفية السحرية، يعني هذا أن الحجاب يأتي كإبعاد ورفض لما يمثله الدم من مخاطر (الموت، القتل، إلخ)... لكن لماذا نجد غطاء الراس عاما، غير خاص بطبقة، ولا بعائلات، أو سلطة دينية؟ إنه يعود، في جذوره الموغلة، إلى النظرة الينبوعية الأسطورية للشعر عموما، ولشعر المرأة بشكل خاص... فالشَعر، أسطوريا، مركز للشعور، وللروح، ومسكن للأرواح الشريرة في الإنسان، إذن تغطية الرأس ظاهرة مرتبطة بما يرمز إليه الشعر أسطوريا، أي هي رغبة في حماية الروح والمشاعر من جهة، ولإبعاد الأرواح الشريرة من أن تسكن الرأس...".

أن يدّعي أصحاب "التجديد" أنهم يهتمون بتحسين وضعية المرأة اجتماعيا فهذا يتناقض كلية مع الإصرار على اختزالها في قيود الحجاب، وهو التناقض ذاته الذي وقعوا فيه عندما عارضوا ولاية المرأة لنفسها في الزواج مع أنهم رشحوا نساء لمهمة الولاية على الأمة، يقول سعيد لكحل: "إذ كيف لهم أن يرفضوا ولاية المرأة على نفسها في الزواج، ويقبلون ولاية المرأة ونيابتها على الأمة؟ معلوم أن أعضاء البرلمان هم نواب الأمة ووكلاء عنها في إدارة شؤونها، وسن تشريعات تهم مصير الأمة ومستقبل الأجيال القادمة، إنها مهمة جسيمة وأمانة عظيمة. ومعلوم كذلك أن حزب العدالة والتنمية رشّح نساء لمهمة الولاية على الأمة والوكالة عنها. فأيهما أخطر: الولاية على النفس أم الولاية على الأمة؟ إن الولاية على النفس عواقبها تعود على الفرد وحده، بينما الولاية على الأمة فتكون عواقبها على كل الأمة".

وهذا التناقض في حقيقته هو نتيجة من نتائج التقية السياسية التي يتعامل بها أصحاب "التجديد" انطلاقا من دروس يوسف القرضاوي التي قدم إحدى حصصها في الدار البيضاء سنة 1998 حيث قال: "لكي تحبب الدعوة للناس اخدمهم وحل مشاكلهم"، فكيف ينشر المنصّرون والمبشرون دعوتهم؟ عن طريق العمل الخيري، بواسطة مدرسة أو مستشفى ينشرون دعوتهم، إضافة إلى هذا لدينا أهداف قريبة وأهداف بعيدة. من الأهداف البعيدة أن نقيم الدولة الإسلامية، ولكن إلى أن يتسنى لنا ذلك نقوم بأعمال ".

عندما رأى القرضاوي (أو من يخططون له) أن القضاء على المؤسسات الحديثة أمر صعب حاليا خصوصا أنها قد أصبحت واقعا (أو ما يعبّر هو عنه بعموم البلوى) اتجه إلى العمل على اختراق هذه المؤسسات من داخلها وعلى احتوائها باتجاه اليوم الموعود أي إقامة الدولة الدينية التيوقراطية، وهذا ما لاحظه سابقا فرج فودة حيث كتب كتابه "النذير" محذّرا من: "تشكيلهم لما يمكن تسميته بالدولة الموازية داخل الدولة الأم، وهي دولة تتكامل عناصرها (الاقتصاد – القوة المسلحة – الفكر – الإعلام – المؤسسات والنقابان) وتبذل جهدا أقل من المتوقع حيث تستخدم وسائل وأدوات الدولة الأم من خلال اختراق ما هو قائم باستخدام الأساليب المتاحة، والسيطرة عليه من داخله، كما أنها تتمتع بوضع أفضل من وضع الدولة الأم، حيث لا تتحمل تبعات الهجوم والنقد والمساءلة التي تتعرض لها الدولة المسؤولة، بل وتستفيد من ذلك كله وتوظفه لمصالحها".

وهكذا فبعد أن كان القرضاوي يحرّم العمل في الأبناك حيث قال في كتابه "الحلال والحرام في الإسلام" الذي كتبه سنة 1960: "من اشتغل بوظيفة من شأنها الإعانة على ظلم أو حرام فهي حرام كمن يشتغل في عمل ربوي، أو في محل للخمر، أو في مرقص أو في ملهى ليلي أو نحو ذلك، ولا يعفي هؤلاء جميعا من الإثم أنهم لا يباشرون الحرام ولا يقترفونه، فقد قدمنا أن من مبادئ الإسلام أن الإعانة على إثمٍ إثمٌ، ومن أجل ذلك لعن النبي كاتب الربا وشاهديه كما لعن آكله...".

يعود بعد زمن ويقول في كتابه "فتاوى معاصر": "غير أن وضع الربا لم يعد يتعلق بموظف في بنك أو كاتب في شركة، إنه يدخل في تركيب نظامنا الاقتصادي وجهازنا المالي كله، وأصبح البلاء عامّا (...) وعلى كل مسلم غيور أن يعمل بقلبه ولسانه وطاقته بالوسائل المشروعة لتطوير نظامنا الاقتصادي، حتى يتفق وتعاليم الإسلام، وليس هذا ببعيد... ولو أننا حظرنا على كل مسلم أن يشتغل في البنوك لكانت النتيجة أن يسيطر غير المسلمين من يهود وغيرهم على أعمال البنوك وما شاكلها، وفي هذا على الإسلام وأهله ما فيه".

الدعوة واضحة هنا إلى اختراق المؤسسات البنكية التقليدية من أجل احتوائها والقضاء عليها، أما عن اختراق المؤسسة البرلمانية، فإننا نعلم تلك الفتوى العجيبة حول اعتبار الانتخابات شهادة، يقول: "فإذا نظرنا إلى نظام كنظام الانتخاب أو التصويت، فهو في نظر الإسلام "شهادة" للمرشح بالصلاحية (...) ومن تخلف عن أداء واجبه الانتخابي حتى رسب الكفء الأمين، وفاز بالأغلبية من لا يستحق ممن لم يتوافر فيه وصف "القوي الأمين" فقد كتم الشهادة أحوج ما تكون الأمة إليها، وقد قال تعالى: 'ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) (البقرة/282)، (ولا تكتموا الشهادة  ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) (البقرة/283)".

 وفي مجال الإعلام فإننا نعلم الدور الذي قام ويقوم به القرضاوي في عديد من القنوات العربية (منها الجزيرة قناة المذيعة المتحجبة)، وكتب في مقدمة كتابه "فقه الغناء والموسيقى في ضوء الكتاب والسنة"، يقول: "فإن صديقنا الشيخ صالح كامل ــ رئيس مجموعة دلة البركة ــ رجل له مبادرات طيبة في خدمة العلم الإسلامي، ومنذ أكثر من عشرين سنة، سنّ سنة حميدة، وهي إقامة ندوات فقهية اقتصادية سنوية (...) ومنذ ثلاث سنوات اتجه فكر صالح حفظه الله ووفقه لصالح الأعمال إلى موضوع لا يقل أهمية عن الاقتصاد ويحتاج إلى فقه حي معاصر، ذلك هو موضوع "الإعلام" وفقه الإعلام، وخصوصا بعد أن ابتلي به الشيخ صالح، ودخل معمعته بإنشاء راديو وتلفزيون العرب، الذي جلب عليه من النقد ما جلب، ثم إنشاء قناة "اقرأ" بتوجهها الإسلامي...".

هكذا يتم اختراق كل المؤسسات داخل البلدان العربية مدَعّما بسلطة المال، فهل ما أقدم عليه الرئيس الفرنسي جاك شيراك هو استباق للأحداث حتى لا يتم اختراق المؤسسات الفرنسية من طرف الإسلاميين، ومما جاء في هذا الإطار في جريدة التجديد: "ونحن لسنا ضد القلنسوة اليهودية، ولا ضد الصليب المسيحي، ولكننا ضد سياسة الإقصاء الممنهج والتهميش المتعمد، وضد الاعتداء على حق من الحقوق المتعارف عليه في الديانات السماوية الثلاث والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تعتبر فرنسا رائدة فيها وحاملة لمشعلها منذ أكثر من قرن من الزمان ألا وهو حرية الاعتقاد وحرية اللباس وحرية إظهار التدين".

فهل أصحاب "التجديد" فعلا يؤمنون بحقوق الإنسان وحرية الاعتقاد؟ إن الإسلاميين يقومون بالتبشير بالإسلام في أوربا، فهل يقبلون أن يقوم مسيحي بالتبشير بالمسيحية في البلدان العربية؟ إذاً لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها. إن الفلسطينيين يطالبون إسرائيل بالسلام، وإسرائيل تعلم علم اليقين أن كثيرا من أبناء الشعب الفلسطيني يتداولون بينهم: "لن تقوم الساعة حتى يقاتل المسلم اليهودي حتى ينطق الحجر والشجر ويقول: يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي ورائي تعالى فاقتله".

إننا نذكر "الآخر" بالقانون والحقوق لأننا في موقف ضعف أي مجرد تقية، والآخر قد درس الفكر الإسلامي قبل أن يدرسه المسلمون، لذا فهو على يقين أن المسلمين لو كانوا في موقع قوة لقلبوا له ظهر المجن، وهذا يوسف القرضاوي في كل مناسبة يبشّر بأن المستقبل هو للإسلام بأوربا، وما فتئ يقول: "سيظهر الإسلام على كل الأديان إن شاء الله وعندنا بشائر من القرآن، فالمسلمون انتصروا على كثير من الأديان قبل ذلك، انتصروا على الوثنية العربية، وانتصروا على المجوسية الفارسية وعلى اليهودية والمسيحية في كثير من الأراضي، ولكن بقيت أديان وثنية كبرى وبقيت المسيحية في عدد من البلدان، هذه الآيات تقول إن الإسلام سيظهر على الدين كله، فنحن ننتظر هذه البشرى". وأن: "الإسلام سيعود إلى أوربا مرة أخرى فاتحا منتصرا (...) وظني أن الفتح هذه المرة لن يكون بالسيف بل سيكون بالدعوة والفكر".

هذا وقد نشرت جريدة التجديد الخطبة التي ألقاها يوسف القرضاوي حول قضية الحجاب في فرنسا ووصفتها بالخطبة التاريخية، ويهمنا منها هذه الكلمات: "هذا الكون فيه أشياء كثيرة مختلفة ألوانها أي أنواعها، فلماذا يريد الفرنسيون أن يمنعوا ظاهرة التنوع والتعدد، هذه ظاهرة رجعية أن تحاول أن يكون هناك لون واحد ودين ثقافة واحدة، وزي واحد، هذا هو التأخر والتخلف، ليست هذه هي حضارة، الحضارة أن تسع الآخرين".

وقد شهد شاهد من أهلها وحكم القرضاوي على نفسه، أليس هو الذي يريد أن يجعل من أوربا دولة دينية ذات لون واحد؟ !

وكنا سنكون سعداء لو كان حزب "التجديد" قد اقتنع فعلا باللغة التي يتكلمها العالم الآن، لغة منفتحة، مبنية على قيم حداثية، ولكننا نعلم أن هذا كله شأنه شأن القانون، وشأن المؤسسات العلمانية الديمقراطية التي دخلوها ليس إلا تقية ووسيلة إلى حين، وإلا كانوا قد راجعوا مشروعيتهم كحزب خصوصا وأن ظهير الحريات العامة المؤرخ في 15 – 11 – 1958 الذي ينظم حق التجمع وحق تكوين الجمعيات ينص على أنه لا يجوز في المغرب تأسيس أي حزب على أساس ديني أو عرقي أو جهوي.

 
* نشر المقال بجريدة الأحداث المغربية يوم الجمعة 2 يناير 2004.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق