الجمعة، 23 يناير 2015

جريدة "السبيل" أم التحريض على الإحراق والتقتيل، بقلم عبد الواحد بنعضرا*



         إذا كانت جرائد الإسلاميين، عموما، تتميز بخطاب متطرف، فإن ما ميّز سنة 2005، ونحن في عز الحديث عن إعادة هيكلة الحقل الديني صدور جريدة تتميز عن غيرها بالدعوة بوضوح إلى التخلص من العلمانيين وكل المخالفين للسلفية، عبر التحريض على قتلهم مباشرة، وخصصنا هذا المقال لهذه الجريدة.

ملاحظة:
      : ردّت الجريدة على مقالي بكلام فضفاض وفي الحقيقة أكّدت الجريدة كلامي من حيث أرادت أن تدفع عن نفسها تهمة التحريض على القتل. ولأن الغاية لم تكن هي الدخول في جدل عقيم مع من لا يعرفون إلا التناحر ولا يفقهون شيئا في لغة التحاور فقد أعرضت عن التعقيب على ردهم، فالغاية كانت هي التنبيه على خطر الكلام الذين يروّج له أصحاب "السبيل" خاصة وأنها كانت توزع بأعداد كبيرة على الشباب


جريدة "السبيل" أم التحريض على الإحراق والتقتيل
عبدالواحد بنعضرا

منذ سنة وشهر خرجت للسوق جريدة أسبوعية تصدر ــ مؤقتا ــ مرة كل شهر؛ تسمى " السبيل " . من خلال تتبع مسارها في هذه المدة يمكن طرح بعض الأسئلة من قبيل: من الجهة المسئولة عن هذه الجريدة ؟ تمويلها ؟ توقيت خروجها ؟ وهل هي تنخرط في إعادة هيكلة الحقل الديني ؟  ويمكن القول بأنها تخصصت في ثلاثة أمور بالذات :
         1ــ التحريض على العلمانية واليساريين : إذ لا يكاد يخلو عدد من أعداد جريدة "السبيل"  من النيل من اليساريين والعلمانيين ونعتهم ب "اللادينيين" وبأنهم يحاربون الدين، وغيرها من الكليشيهات التحريضية والتي لا تنتظر إلا من ينفذ ويرسم صورة جديدة ل 16 ماي 2003، خاصة وهو يقرأ في هذه الجريدة : «فكيف بعد هذا يمكن أن نثق بأن العلمانيين ليسوا أعداء الدين ( ... ) فليس هناك صلاح بعد إفساد الدين، والعلمانييون اليساريون هم أعداء للعلماء منذ أن وجدوا، ورحم الله الشيخ الجليل عبدالله كنون الأمين العام السابق لرابطة علماء المغرب، فقد كان لا يترك فرصة تمرّ حتى يحذر المغاربة من سموم العلمانيين الللادينيين، وما كان أجرأه على الحق، حيث كان يصفهم على صفحات جريدة الميثاق ــ لسان الرابطة المذكورة ــ بالمرتدين والملحدين ..» (إبراهيم الطالب، ص. 6، جريدة السبيل، العدد 12، يوليوز 2006). ولا نستغرب إذا ما وجدنا الخلايا الإرهابية ما تزال نشطة وهناك إعلام يوقد نارها ويشعل فتيلها .

         2 ــ كالعادة ممارسة السياسة في الجنس:  إذ يختزل كتبة الجريدة كل الأمور في ما هو جنسي كيما يتمكنوا من ضرب الحداثة والقيم الإنسانية تحت ذريعة أن الحداثة و العلمانية وحقوق الإنسان عامة وحقوق المرأة خاصة ما هي إلا وسائل للإباحية والدعارة، فتقرأ : "دعاة الدعارة وحقوق المرأة" (وهو عنوان لمقال، انظر جريدة السبيل، ص. 15، العدد 02، شتنبر 2005). ولا يكتفي هؤلاء الكتبة بالتركيز على ضرورة ارتداء الحجاب، بل يعتبرون أن المكان الطبيعي للمرأة هو البيت؛ نقرأ إذن ما يلي: «ولهذا ما حاولت المرأة المسلمة مزاحمة الرجل في اختصاصاته، أو حاولت تقديم استقالتها من البيت، و ليس هذا لأنها غبية، أو ساذجة، أو لا تتوفر على مهارات، بل لوعيها العميق بمهامها، وهي ـ بكل فخر ـ رعاية البيت بما فيه ومن فيه، انطلاقا من البرور بزوجها، ثم العناية بأبنائها وتأهيلهم ..» (العياشي قبوسي، ص. 27، جريدة السبيل، العدد 01، يوليوز 2005). وحتى لا يبقى في نفوس كتبة جريدة السبيل شيء من حتى، فإنهم لم يكتفوا بالتحريض على الحداثيين من أجل تصفيتهم وإعدامهم، بل، وحتى يشفوا ما بصدورهم من غل وحقد، دعوا أيضا إلى إحراق وإعدام مؤلفاتهم، حتى يكون الإجهاز والقتل تاما؛ جسدا وفكرا، نقرأ إذن لهولاكو المعاصر ما يلي: «قلت: والدفن والإعدام، بل والإحراق أولى وأحرى بالكتب المسمومة الطافحة بالعقارب والحيات المليئة بالشرور والمنكرات، من أمثال ما كتبه دعاة تحرير المرأة ـ عليهم من الله ما يستحقون ـ. ولعل من يؤمن بالمفهوم الحديث للحرية الفكرية في العالم المعاصر يرى هذا الموقف حيال هذه الكتب عصبية حادة وتزمتا بغيضا، ولكنه موقف صحيح بالنظر إلى مصالح الأمة المسلمة» (رشيد الإدريسي، ص. 5، جريدة السبيل، العدد 02، شتنبر 2005). وسيكون المقصود أيضا بالتهديد بعض المنابر الإعلامية كجريدة "الأحداث المغربية" والتي نالت نصيبها من هجوم كتبة "السبيل" في أغلب الأعداد السابقة، حتى أنهم خصصوها منذ العدد الأول ( يوليوز 2005 )  بمقالين، الأول ص. 8، والثاني ص. 16 و 17 (والذي تعرضت فيه للهجوم كذلك جريدة الصحيفة). وأحب أن أعيد ما كتبته ذات مقال، إذ قلت: «من الأكيد أن الفكر الحداثي لم يكن مسؤولا يوما عن انحلال أو فساد، فالرجل الذي اغتصب الأطفال وقتلهم ثم دفنهم لم يكن حداثيا ولا له أدنى معرفة بها ولا بالديمقراطية، والفقهاء الذين هتكوا طفولة بريئة في الكتاتيب القرآنية لم يكونوا حداثيين ومهنتهم تدل على ذلك، وما وقع في بعض الجمعيات الخيرية الموسومة بالإسلامية من اغتصاب للأطفال لم يتورط فيه رجال حداثيون أو يساريون... وما بدأ يظهر ويتكلم عنه بعد أن كان من الطابوهات أعني ما يسمى بزنا المحارم لم تكن الحداثة مسؤولة عليه، إنما هذه مكبوتات تطل بقرنين بارزين معلنة عن نفسها بشكل أرعن، ولكم أن تتساءلوا عن المتسبب في هذا الكبت النفسي والجسدي والفكري؟» (انظر مقالي: ممارسة السياسة في الجنس، الأحداث المغربية ، الجمعة 04 فبراير 2005).
         3 ــ  زرع الأحقاد تجاه الأديان الأخرى:  فتحتَ عنوان "تصحيح عبارة: إننا نحترم جميع الأديان السماوية"، نقرأ: «إن المقولة التي مفادها: "إننا نحترم جميع الأديان السماوية" فهذا حق، ولكن ينبغي أن يعلم القارئ أن"الأديان السماوية" قد دخلها من التحريف والتغيير ما لا يحصيه إلا الله» (ص. 18، جريدة السبيل، العدد 11، يونيو 2006). والتصحيح لتلك العبارة معناه حسب كتبة "السبيل" عدم احترام أي دين، فاليهودية والمسيحية حرفتا، و: «أما الأديان الشركية كالبوذية والهندوسية وأمثالهما فلا كرامة لها، ولا يجوز لمسلم احترامها أبدا، ولا يعني هذا سبها أو التعرض لها أمام أتباعها إن كان يخشى من مفسدة أكبر ..» (نفسه). وإذن إلّم يُخش من ضرر فيجوز سبها و و ... !! أما المبدأ الثابت ــ حسب كتبة "السبيل" ــ فهو عدم احترامها. وإذ أن الحقد غالبا ما يقترن بالفتنة فإن هؤلاء الكتبة يصرون على أنه لا فرق بين اليهودية والصهيونية، مع أننا نعرف مغاربة يهودا ينتقدون الصهيونية. فتحت عنوان "هل هناك فرق بين الصهيونية و اليهودية ؟" كتب أحدهم ما يلي: «إن علاقة الصهيونية باليهودية علاقة عضوية حيث لا تنفك إحداهما عن الأخرى، وبالتالي يمكن القول: إن الصهيونية واليهودية وجهان لعملة واحدة..» (ص. 18 ، جريدة السبيل، العدد 13، غشت 2006). وهي دعوة من طرف خفي لاستئصال اليهود المغاربة.  
ختاما أتساءل: أهذا ما يعنيه إعادة هيكلة الحقل الديني ؟

* نشر المقال بجريدة الأحداث المغربية عدد الثلاثاء 12 شتنبر 2006 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق