الثلاثاء، 4 أغسطس 2015

الريسوني والثالوث المقدس: القرضاوي، قطر، والجنس، بقلم عبد الواحد بنعضرا*

الريسوني والثالوث المقدس: القرضاوي، قطر، والجنس
عبد الواحد بنعضرا
أحمد الريسوني، المتناقض مع نفسه، دائما، المنتقد لكل شيء، لا يعجبه العجب، المتسامح مع وجود حرية المعتقد والرافض للتنصيص عليها في الدستور، الداعي لدولة مدنية الدابّ في الوقت نفسه على التنصيص على إسلامية الدولة؛ إذ لا بين بين عنده، فإما إسلامية وإما دولة علمانية أو إلحادية (أخبار اليوم، 30/ 6 / 2011).!! المرحّب في الوقت نفسه بالعلمانية المعتدلة (الأيام الأسبوعية، 13 - 19 / 3 / 2014). القائل بتطبيق الشريعة، المستدرك، اليوم، أن الشريعة هي كل ما يخدم الناس ويحقق مصلحة الإنسان (حوارته في 2011، وكتابه فقه الثورة 2012، ينظر: بنعضرا، وراء دعوة "الريسوني" لمراجعة مفهوم الشريعة ما وراءها، الأحداث المغربية، 10 و11/  10 / 2013).
 القائل بأن منابر الجمعة يجب أن تصان عن الانشغالات السياسية وألا يلقى فيها إلا ما هو متفق عليه، المنتقد في الوقت نفسه /بل الحوار نفسه، لمراقبة الوزارة الوصية لخطب الجمعة (المساء، 29- 30/  10 / 2011)، المندد بإجراءات هذه الوزارة  من خلال عرضه وابتكاره للائحة بالمواضيع التي يحرم على الخطباء الاقتراب منها كما قال، في مقال "وزارة الأوقاف وسياسة بوكو حرام" (أخبار اليوم، 7 / 8 / 2014). وهلمّ تناقضات.
غير أن هناك ثالوثا مقدسا عند الريسوني، دون المساس به خرط القتاد وفتّ الأكباد وزرع الأحقاد: شيخه القرضاوي، قطر، والجنس... الرؤية هنا واضحة، كيف؟
قد يفعل القرضاوي أي شيء بما فيه الإفتاء بأخذ القروض من الأبناك التقليدية من أجل السكن، رغم اعتبار ذلك من قِبلهم أنها "ربا"، فيجد الريسوني مخرجا لذلك بقوله:"من أخذ برأي الشيخ القرضاوي فهو حجة عند ربّه" (التجديد، 22-24 / 9 / 2006).
ولم لا، فبالنسبة للريسوني فإن: "القرضاوي هو العالم الأول في الأمة وكلمته هي الأعلى وهو رقم واحد في العلم المجتهد المحترم (...) القرضاوي ليس محط جدل، فهو موحد كلمة الأمة ويرأس أكبر اتحاد في تاريخ الأمة وهو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" (الأسبوع الصحفي، 1 /11/ 2012).  وبلغة أخرى:  فإن طاعة القرضاوي من طاعة الله. يا شيخ أحمد لم نتعود منك هذا التقديس للأشخاص.
وقد دافع عن القرضاوي بأن مواقفه السياسية تعبّر عن اصطفافه إلى جانب الشعوب المقهورة إبان "الربيع العربي" (المساء، 5 - 6 / 7 / 2014)، ونسي موقفه من الشعب البحريني ! أذكّرك هنا يا شيخ أحمد بما قاله رضى الموسوي البحريني عن توصيف القرضاوي بما وقع في الحرين بالثورة الطائفية، بأن: "هذه فتوى شيطانية ترتقي إلى مستوى الجريمة، لأنه عندما قال القرضاوي إن ما يحدث في البحرين مصدره طائفي كان يعرف تمام المعرفة بأن الواقع مناف لما قاله (...) ما قام به الشيخ القرضاوي أضرّ كثيرا بالنضال الوطني الديمقراطي السلمي والحضاري في البحرين" (المساء،18 / 12 / 2012).
وحين تصابى الشيخ القرضاوي وعاش مراهقة متأخرة فيها النظرات والمكالمات والأشعار، كما صرحت طليقته أسماء بن قادة (نقلا عن الأحداث المغربية، 22 / 7 / 2012)، فإن الريسوني لم ينبس ببنت شفة، ولم تأخذه الحمية الأخلاقية ولا الغيرة الدينية !
أما قطر، فقد تفعل أي شيء، بما في ذلك ما تفجّر عن رشاويها لاستضافة كأس العالم، ولكنه لا يجرؤ على انتقادها، لا يستطيع الريسوني أن يضع لائحة "بوكو حرام" التي تقوم بها قطر هنا وهناك... بل دافع عن أنها تقف إلى جانب الشعوب المقهورة !! (المساء، 5 - 6 / 7 / 2014). قد قمتَ بسب السعودية وحكامها، وانتقدت المغاربة بكل صنوفهم، ولكن قطر، وما يقطر عنها، منزهة ومقدسة !!
أما الجنس فهوايته المفضلة، شأنه في ذلك شأن تيارات الإسلام السياسي من خلال ما أسمّيه بـ"ممارسة السياسة في الجنس"، بالربط بين قضايا خِلافية والجنس، ويسهل حينها نعت الخصوم السياسيين، من قوى يسارية وديمقراطية، بأنها أحزاب الشيطان وأعوانه في نشر الفساد والرذيلة والإباحية مادام الجنس قد غُلّف أخلاقيا برداء ديني... والقصد من ذلك هو ضرب الخصوم سياسيا... ويظهر هذا عند الريسوني في خرجاته المتعددة، ففي مقاله: "الحِداد على امرأة الحدّاد"، الذي يتأسف فيه على ضياع نموذج المرأة التي كان يدعو إليها الطاهر الحداد، وغيره من المفكرين، وإبداله بنموذج آخر، قال الريسوني: "الحداد إنما هو بسبب الخوف على أفول امرأة الحدّاد وابن عاشور وعلال الفاسي والحجوي، بعد بروز أصناف جديدة من النساء والفتيات يتم تصنيعهن وتكييفهن وتوجيههن حسب متطلبات المتعة والفرجة والتجارة والإجارة والإثارة (...) هذه مجرد إشارات وقطرات من بحر نساء الحداثة ومازالت الماكينة تشتغل وتنتج، ومازال شياطين الرجال ــ وليس النساء ــ يصمّمون لهن ويخترعون، ويفتحون عليهن من أبواب حهنم.. فكيف لا نعلن الحداد على امرأة الحدّاد وعلى ما بعد امرأة الحداد" (المساء، 10 / 12 / 2014).
وفي مقاله: "من الزواج المثالي إلى الزواج المثلي" تساءل الريسوني: "فهل سيصل الإجهاضيون ــ فرع المغرب ــ في نضالاتهم التحديثية حتى يحققوا مغربة الزواج المثلي وتقنين الحقوق الجنسية المثلية؟ أظن أن جوابهم لن يتأخر" (المساء، 10 / 4 / 2015).
ونتساءل ما العلاقة بين الإجهاض والزواج المثلي؟ تماما مثلما نتساءل عن الغيرة الدينية على ما أسماه "امرأة الحدّاد" أين غابت فيما يتعلق بقضايا الحب في الحكومة والزواج العرفي لنساء حركته/حزبه، ومُراهَقات شيخه، فالأمر كما قلنا ممارسة للسياسة من خلال الركوب على مشجب انهيار الأخلاق وانتشار الزنا...
لا داعي للتذكير، بأن هذه اللعبة باتت مكشوفة، وأن حزب العدالة والتنمية قد يحترق بها، خصوصا مع ما تفجر لديه من قضايا من هذا النوع.
القصد مما سبق، أني أريد أن أنبّه على أن الاستمرار في اللعب على نفس الحبال مغامرة ومضيعة للوقت. أمّا كونها مضيعة للوقت، فلأن كثيرا من القضايا تعودون فيها لأخذ رأي المخالفين بعد مرور الزمن، وبعد أن تكونوا قد شوهتم فكرتهم ورميتموهم بمختلف النعوت القدحية، بلغة أخرى سجلتم عليهم نقاطا سياسوية. أمّا أنها مغامرة، فإني أرى أن تصوير المغرب بأنه ماخور أو أن فيه دعاة الإلحاد والكفر وأن الإسلام في خطر... هو الطريق السيار لتسويغ العنف وممارسة الإرهاب... وهي مقدمات شبيهة لما وقع في ماي 2003... والغريب أنك يا شيخ في حوار سُئلت عن حكم من قتل شخصا آخر بضلال فكري، فصَمتَ، ثم قلت: "لا أعرف له حكما. أنا لستُ قاضيا لأحكم في هذه النازلة والفهم في هذه النازلة أولى من الحكم" (الأيام، 15 - 21 / 7 / 2004). عذر أقبح من زلة ! أما آن لكم أن تفهموا أنه لم يعد هناك مجال للعب بالنار، وأن السياسة تمارس بالعقل لا بالغريزة، أم أن الفطام عن "الأمية" سيطول؟ مرة أخرى نذكّركم بأن السياسة تدبير للشأن العام وليست مجالا لإقامة محاكم التفتيش... وإذا كنتم جادين في مراجعاتكم، في هذا الوقت الذي بات فيه الكثيرون يقومون بـ"المراجعة"، فعليكم أن تكونوا منسجمين مع أنفسكم، وكفى من لعبة تقاسم الأدوار فيما يتعلق بقضايا "الدين" ! حذار !

* نشر في جريدة الأحداث المغربية يوم الاثنين 3 غشت 2015 ، العدد 5660


هناك تعليق واحد:

  1. مشكور أخي الكريم على هذا المقال القيم و الشامل لمجموعة من مواضيع الساعة.
    تحياتي

    ردحذف