رئيس الحكومة بنكيران وقضية المساواة في الإرث بين النساء والرجال
عبد الواحد بنعضرا
في حوار مطول مع مجلة زمان أشار رئيس الحكومة عبد الإله
بنكيران إلى قضية المساواة في الإرث قائلا: "نحن نؤمن بالمساواة بين الجنسين،
لكن لا نؤمن بالمساواة بينهما في الإرث، مثلا، لأن فيه نص قطعي، فإذا جاء من يجتهد
اجتهادا مقنعا في هذا الموضوع مرحبا (...) فإذن هاتوا اجتهاداتكم ونحن مستعدون
للنقاش، لكن لا تطلبوا منّا تبني مطالب نعتقد أنها غير صحيحة فقط إرضاء للحداثة
والحداثيين. نحن نعتقد أن كلمة الله يجب أن تكون هي العليا، لكن ليس بطريقة عمياء
متشددة، فإذا كان هناك اجتهاد فيه مصلحة حقيقية ــ وهذا مقصود شرع الله ــ فنحن
مستعدون" (بنكيران، حوار مع مجلة زمان، العدد 21، يوليوز 2015، ص. 55).
إسهاما مني في الموضوع، وتفاعلا مني مع ما قلتم بشكل
إيجابي، أقّدم لكم نموذجين من الاجتهادات في الموضوع، علما أن هذا النقاش يحتاج
صبرا وإعمالا للعقل، وهدوءا في التعاطي معه وتفادي التشنج، بل الإنصات الجيد لكل
الأطراف، انطلاقا من مقدمة بديهية أن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة، وأن لا أحد
يملك تفويضا سماويا للحديث باسم الله أو توكيلا للدفاع عن الإسلام، كما يفعل
أحيانا الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية وهو يلعب بالنار في منطقة مليئة
بالألغام والبعض مستعد فيها للمرور من التكفير إلى التقتيل والتفجير، ولا أحسب أن
ذلك بغائب عنكم.
كما يحتاج هذا الموضوع إلى مراعاة مصلحة الاقتصاد الوطني
من جهة، وصيانة كرامة الأفراد من جهة ثانية. من هذا المنطلق أتفق مع الأستاذ عبد
الله العروي، في ما يخص مسألة توريث أبناء البنت من الجدّ ــ على سبيل المثال ــ على
ضرورة استشارة الاقتصاديين حتى لا تكون النتيجة، بإسم المساواة، تفتيت الميراث
فيكون ذلك حائلا أمام تحقيق التراكم، إذ يمكن للاقتصاديين إيجاد حلّ بإعطاء الحق
لأبناء البنت والمحافظة في نفس الوقت على الميراث. (ينظر: العروي، عوائق التحديث،
ط. 2006، ص. 57- 59).
بالمقابل، أضرب مثالا، يحتاج لحسم سواء باستحضاركم لمقصد
الرحمة أو العدل، أو إحدى المقاصد الكلية، فعندما يموت رجل ما وقد أعقب وراءه "إناثا"
وليس بينهن "ذكرا"، وترك لهن شقة يعشن فيها، فهل من الرحمة والعدل اليوم
أن يأتي أحد أعمامهن ليفرض عليهن بيع الشقة لكي يأخذ نصيبه، مادام لا يوجد ولد ذكر
يحجبه عن الميراث. وكم جرّ هذا من مآسي على كثير من البنات؟
طالبتم بالاجتهادات ! لدينا، بالنسبة للاجتهاد الأوّل من المغرب، فتاوى العرضونيين فيما
يخص تعويض المرأة البدوية، ونخصّ منها، فتوى الفقيه أحمد ابن عرضون (ت.
992هـ/1584م) التي نصّت على أخذ المرأة النصف فيما عملته لزوجها (فضلا عن الثمن أو
الربع) في حال توفي عنها زوجها، أو إذا حدث ما يوجب الطلاق وهو ما يسمى بحق
"الشقا" لدى أهالي الجبال. خلص الأستاذ عمر الجيدي في عمله عن ابن عرضون
إلى الآتي: "وهكذا دافع ابن عرضون عن المرأة البدوية، وأنصفها من حقوقها
المشروعة، وهو بموقفه هذا ثار ضد التقاليد، ونادى بمبدأ المساواة بين الجنسين في
الحقوق والواجبات، تطبيقا لروح الشريعة الإسلامية، وبسبب موقفه هذا تألب عليه بعض
الفقهاء الجامدين فشنعوا عليه فيما أفتى به، ولكن فتواه هذه صمدت في وجه المعترضين
صمود الجبال، ولا زالت سارية المفعول حتى الآن، بعد أن مضى عليها أزيد من أربعة
قرون" (عمر الجيدي، ابن عرضون الكبير: حياته وآثاره، آراؤه وفقهه، ط. 1987،
ص. 207).
الاجتهاد الثاني، من تونس، متمثلا في آراء الطاهر الحداد
(ت. 1935م)، الذي رأى بأن إسهام المرأة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية ندا للند
مع الرجل يفتح الباب أمام المساواة بين الجنسين في الإرث، حيث قال في كتابه
"امرأتنا في الشريعة والمجتمع" الصادرة طبعته الأولى سنة 1930، ما يأتي:
"وفيما أرى فإن الإسلام في جوهره لا يمانع في تقرير هذه المساواة من كامل
وجوهها متى انتهت أسباب التفوق وتوفرت الوسائل الموجبة (...) وليس هناك ما ينص أو
يدل على أن ما وصل إليه التدريج في حياة النبي هو نهاية المأمول الذي ليس بعده
نهاية، ما دام التدريج مرتبطا بما للمسائل المتدرج فيها من صعوبة يمكن دفعها عن
قرب، أو عورة تستدعي تطور الأخلاق والاستعدادات بتطور الزمن؛ وفي الإسلام أمثلة
واضحة من هذا القبيل" (الطاهر الحداد، امرأتنا في الشريعة والمجتمع، ط. 2008،
ص. 42).
ويمكنكم، في هذا الإطار، تعزيز كلام الطاهر الحداد بما
جاء عند أخيكم سعد الدين العثماني، الذي رأى أن: "الاحتجاج بمجرد عدم إشراك
المرأة في ميادين معينة في العصر النبوي على عدم جواز ذلك شرعا أو على تهميش دورها
لا دليل فيه، لأننا نقول أليس سبب ذلك أن عُرْف الناس في زمن النبوة لا يسمح بأكثر
من ذلك الحد من مشاركة النساء ومساهمتهن
في حياة مجتمعاتهن؟" (سعد الدين العثماني، قضية المرأة ونفسية
الاستبداد، ط. 2004، ص. 36 - 37). والعثماني قرّر هنا ضمنيا "تاريخية"
النصوص، وبأنها مرتبطة بسياقات معينة، إذ جاء في كلامه: "وربما يُداري الشرع
عُرْف الناس حتى ينضج وعيهم ويرقى مستواهم الاجتماعي والحضاري، فيكونوا أكثر
استعدادا لتقبل مبادئه في كمالها" (نفسه، ص. 45).
ختاما، لابد من تصحيح مغالطة، فالقول بأنكم ضد المساواة
بين الرجل والمرأة في الإرث، بإطلاق دون تحديد، لا يستقيم مع وجود حالات ليست محل
خلاف، يكون فيها نصيب المرأة مساوي لنصيب الرجل، كميراث الأبوين مع وجود الولد، بل،
كما لاحظ الطاهر الحداد، فإن نصيب المرأة يفوق نصيب الرجل في بعض الأحيان، كما هو
الحال بالنسبة لميراث الأبوين مع فقد الولد، كما في الآية: (فإن لم يكن له ولد
وورثه أبواه فلأمه الثلث) (النساء/11).
ولعل ما أثير حول "الكلالة" وغموض معناها، يسير
في هذا المنحى؛ إذ من المحتمل أنها كانت تتعلق بحالات تُمنح فيها المرأة نصيبا
أكبر من الرجل، فقد أكّد أركون أن الالتفاف على معنى الكلالة، عائد إلى ضغط العرف القائم
آنذاك، واستراتيجيات القوة والضبط الخاصة بمراقبة سريان الأرزاق في المجتمع، وصعوبة
خلخلة النظام الاقتصادي والاجتماعي، إذ أن هذه الخلخلة كانت كفيلة بالإضرار بمصالح
فئات معينة. (ينظر: محمد أركون، من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي، تج، هاشم
صالح، ط. 1991، ص. 51 - 54).
طالبتم، يا رئيس الحكومة، باجتهادات، فآتيناكم ببعضها،
فانظروا رأيكم. نرجو فقط أن يكون هناك نقاش مسؤول بين مختلف الفاعلين، دون
الانزلاق إلى الحسابات الانتخابوية. وبه وجب الإعلام والسلام.
* نشر المقال في جريدة الأحداث المغربية يوم الثلاثاء 28 يوليوز 2015، العدد 5655
مشكور أخي على اختيارك لهذه المواضيع و على المجهود المبذول في ذلك.
ردحذفشائت الضروف أن تنقلب الآية، حيث أصبحنا نجد معظم الأسر المغربية تعيلها بناتها لسبب من الأسباب(مرض الأب أو وفاته، عدم اشتغال الأبناء الذكور و عدم مبالاتهم بتحمل جزء من المسؤولية و ذلك من تبعات التربية التي تضع الفتاة تحت الضغط و تعطي الحرية و السلطة التامة للذكور رغم عدم انتاجيتهم...هذا من تبعات المجتمعات الذكورية التي أتمنى أن يعاد فيها الأمر، هذا موضرع أخر أملي ان تتطرق اليه (اذا لم يتم ذلك مسبقا) في كتاباتك المميزة).
فكيف لهذه الفتاة التي أصبحت تفكر في مصلحة أبويها و اخوتها و تنسى أحيانا مصلحتها الخاصة من زواج و اقتناء كماليات الحياة، تظلم في حقها في الارث؟
أصبح ومن الضروري تحيين هذه القوانين أو سن أخرى قصد النظر في هذه القضية. و في انتظار ذلك، أنصح جميع الآباء الذين انجبوا اناثا دون الذكور، المسارعة في كتابة وصية تخل لممتلكاتهم أن تصبح من حق بناتهم بمجرد وفاتهما معا، حتى لا نخول للبنات التصرف في الأملاك الا بعد وفاة الوالدين معا. و بهذا سيتهم منع كل أجنبي من الاستفادة.
تحياتي أخي العزيز وبالتوفيق.