الجمعة، 14 أغسطس 2015

فتوى ابن باز بتكفير القول بكروية الأرض ودورانها نموذج لعبادة النصوص، بقلم عبد الواحد بنعضرا*

فتوى ابن باز بتكفير القول بكروية الأرض ودورانها نموذج لعبادة النصوص
عبد الواحد بنعضرا
تناولت في مقال سابق تناقضات العقل النصي، وفي هذا المقال، سأقدم نموذجا بارزا لهذه القضية، وتتمثل في إحدى أكثر الفتاوي إثارة للجدل في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي فتوى ابن باز، شيخ فقهاء السعودية والحجاز والوهابية عموما في وقته، التي نفت كروية الأرض جملة وتفصيلا وأية حركة لها، بل وكفرّت كل من يعتقد ذلك. وقد نُشرت الفتوى في مواطن عدة، حيث قال ابن باز: "فلقد شاع بين كثير من الكتاب والمؤلفين والمدرّسين في هذا العصر أن الأرض تدور، والشمس ثابتة، وراج هذا على كثير من الألسن، وكثر السؤال عنه، فرأيت من الواجب أن أكتب في هذا كلمة موجزة ترشد القارئ إلى أدلة بطلان هذا القول ومعرفة الحق في هذه المسألة، فأقول قد دلّ القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وإجماع علماء الإسلام، والواقع المشاهد على أن الشمس جارية في فلكها كما سخرها الله سبحانه وتعالى، وأن الأرض ثابتة قارة قد بسطها الله لعباده وجعلها لهم فراشا ومهدا وأرساها لئلا تميد بهم" (عبد العزيز ابن باز، الأدلة النقلية والحسية على إمكان الصعود إلى الكواكب وعلى جريان الشمس والقمر وسكون الأرض، ص. 21). والشاهد في قضيتنا هذه، قضية القرن 20 !! أن الرجل سوّد ورقات عديدة، مستدلا فيها بآيات قرآنية، لإثبات صحة فتواه، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الآية: (أو لم ير الذين كفروا أن السماء كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي، أفلا يؤمنون، وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها سبلا لعلهم يهتدون وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون)، وآية: (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم)... مؤكدا أن: "هذه الآيات الكريمات دلائل قاطعة، وبراهين ساطعة على أن الشمس جارية لا ثابتة، وأن الأرض قارة ساكنة كما أرساها الله بالجبال الرواسي ومدّها لعباده وبسطها لهم وجعلها فراشا" (ابن باز، نفسه، ص. 22). فالرجل يتحدث عن دلائل قاطعة كما رأينا في كلامه. وهو من هو ! كبير فقهاء الوهابية عامة، والشيخ الأكبر للسعودية سابقا. إن استدلاله بنصوص قرآنية على أنها دلائل قاطعة على ثبوت الأرض وانبساطها يرمي بأحجار عديدة في المياه الراكدة لألئك الذين يرفعون في وجوهنا النصوص لكي يفحمون، زعماً، مخالفيهم ثم يكفرونهم لينتهي أي نقاش؛ إذ أنهم مافتئوا يلوّحون بعبارة: "لا اجتهاد مع النص". وهذا هو منطلق ابن باز الذي أداه إلى تكفير القائلين بكروية الأرض وبحركتها، ومتى؟ في القرن 20؛ حيث أعلنها حربا مدوية: "وكل من كذب الله سبحانه أو كذّب كتابه الكريم أو كذّب رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام فهو كافر ضال مضل يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا مرتدا ويكون ماله فيئا لبيت مال المسلمين كما نصّ على مثل هذا أهل العلم والإيمان في باب حكم المرتد، وكما أن هذا القول بالباطل مخالف للنصوص فهو مخالف للمشاهد المحسوس، ومكابرة للمعقول والواقع، فلم يزل الناس، مسلمهم وكافرهم يشاهدون الشمس جارية طالعة وغاربة، ويشاهدون الأرض قارة ثابتة، ويشاهدون كل بلد وكل جبل في جهته لم يتغير من ذلك شيء، ولو كانت الأرض تدور كما يزعمون لكانت البلدان والجبال والأشجار والأنهار والبحار لا قرار لها" (ابن باز، نفسه، ص. 23). وإذا كان كلام ابن باز لا يقبله اليوم حتى شيوخ الوهابية، حتى أنهم أزالوا هذه الفتوى من الطبعات الحديثة لفتاوى ابن باز، بحكم الواقع الذي أصبح معلوما للجميع في ما يخص شكل وحركة الأرض، فإنني أتساءل كم يلزمنا من سنوات أو أجيال حتى تصبح كثير من الأشياء مقبولة من طرف الفقهاء بحكم الواقع، وحتى ذلك الحين هل من المعقول أن يظل البعض يلوح بيد بالنص وبيد أخرى بالتكفير والخنجر أو الرشاش؟

إن فتوى ابن باز هذه، شأنها شأن غيرها، نموذج لعبادة النصوص التي قال عنها ذات يوم الكاتب الإسلامي فهمي هويدي: "إن الوثنية ليست فقط عبادة الأصنام، فهذه صيغة الزمن القديم. ولكن وثنية هذا الزمان صارت تتمثل في عبادة القوالب والرموز. في عبادة النصوص والطقوس ومشاهير القادة وعظمائهم. وهي كل محاولة لتعطيل عقل الإنسان وقدراته، وتأكيد عجزه أمام هذه المقدسات الجديدة" (فهمي هويدي، القرآن والسلطان، ص. 35). ولم يعد يكفي أن نأخذ بما قاله ابن رشد (ت. 1198م): "ونحن نقطع قطعا أن كل ما أدى إليه البرهان وخالفه ظاهر الشرع أن ذلك الظاهر يقبل التأويل على قانون التأويل العربي (...) بل نقول أنه ما من منطوق به في الشرع مخالف بظاهره لما أدى إليه البرهان، إلا إذا عتبر الشرع وتصفحت سائر أجزائه وُجد في ألفاظ الشرع ما يشهد لذلك التأويل أو يقارب أن يشهد" (ابن رشد، كتاب فصل المقال، ص. 36). أو ما قام به محمد عبده (ت. 1905م)، حين فسّر بعض الآيات تفسيرا علميا رغبة منه في نفي اللاعقلانية عن الدين في عزّ سطوة العقل الوضعي في العالم. بل نحتاج، اليوم، إلى تأكيد الفصل بين مختلف الحقول، وقد سبق أن نبهتُ في دراسة سابقة عن الخلط الذي يقع، على سبيل المثال، بين البنية الدينية والبنية العلمية عند نقاش آية (أو لم ير الذين كفروا أن السماء كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي) (الأنبياء/30)، حيث قلتُ: " إن عجز الإنسان أمام تلك الفضاءات التي تبدو عالية ومبتعدة عليه جعله يؤثثها بكل ما هو غريب/قوي/جميل/معجز/خالد... فانعكس هذا في تصور الإنسان لبداية الخلق وكيف جعل السماء تفارق الأرض، معبرا بذلك عن أن كل ما هو متعالي/سماوي هو "مفارق" للأرض حيث لا يوجد إلا ما هو ضعيف/عاجز/عرَضي وفاني... فالسماء عند الإنسان القديم هي الطهارة، السمو، العلو والكامل، رمز المقدس، وكل ما يأتي من فوق فهو كامل ومعجز. فوضع النصوص القرآنية في سياقها التاريخي والثقافي والمعرفي يجعلنا نُـزيل ذلك اللبس الذي يعتري بعض الآيات ويستغله البعض للحديث عن الإعجاز العلمي لهذه النصوص وهم يخلطون في ذلك بين بنيتين مختلفتين تماما" (بنعضرا، عن أي إعجاز علمي يتحدثون؟). من هنا أخلص إلى أننا نُضيع الكثير من الوقت والجهد حين نقحم النصوص في ما يتعلق بالفضاء العام وتدبير الشأن العام. على أساس أن لكل واحد الحق في اختيار شكل الحياة التي يريدها ولكن ليس من حقه أن يفرضها على الآخرين بدعوى النص، وقد رأينا إلى أي نتيجة انتهت إليه عبادة النصوص من خلال فتوى ابن باز هذه. وأتساءل أليس من الإهانة الكبيرة لنا ولعقولنا أن نقول لهذا العقل الجبار الذي اخترع واكتشف وأنجز ثورة المعلوميات والاتصال وكافة المنجزات الطبية في القرن 21 توقف فقد جاء النص؟
* نشر المقال في جريدة الأحداث المغربية يوم الخميس 6 مارس 2014 العدد 5223

هناك تعليق واحد:

  1. أهنئك أخي على عقلك الحر، وأدعوك أن لا تتطرف تجاه ما تخالفه، صحيح، أخطأ الشيخ بقوله بعدم دوران الأرض
    ومن قال بعصمته عن الخطا؟
    وتكفيره كان لمن قال بثبات الشمس وهو مخالف لصريح القرآن
    وعنوان مقالك فيهكذب صريح أيها الحبيب، فكيف تقول أنه يكفر من قال بكروية الأرض وهو لم يفعل؟؟؟
    كن منصفاً عادلاً حراً لا تكيل بمكيالين
    واضح لي من أسلوبك حقدك على كل ما هو أصولي
    ولا ألومك فالكثير ممن هم محسوبون على الدين يخطؤون لكن المشكلة الأكبر عندما يأتي أمثالك ليزيد الطين بلة بكذبه عليهم
    إني أشم رائحة جحود للصانع وهجر لكلامه العظيم
    إقرأ العلم واقرا القرآن وستجد أن القرآن يدفعك للعلم والتطور والصعود إلى أعلى قمم هذا الكون

    أرنا اللهم الحق حقا

    ردحذف