ماذا بعد المراجعات يا رئيس الحكومة؟
عبد الواحد بنعضرا
يتواصل الحديث عن المراجعات
الفكرية، لدى تيارات "الإسلام السياسي"، والسؤال لدينا: ماذا بعد
المراجعات؟ بمعنى آخر إلى أي حدّ ستفرز هذه المراجعات التزاما من قِبل تلك
التيارات بعدم استعمال "الدين" في السياسة؟
أعلن رئيس الحكومة عبد الإله
بنكيران في آخر حوار له، مع مجلة زمان، بوضوح: "عندما يصوّت علينا الناس فلِنحل
مشاكلهم وليس لنفرض عليهم أي شيء" (بنكيران، حوار مع مجلة زمان، العدد 21،
يوليوز 2015، ص. 47).
أوضح، أيضا، أن ضغط الواقع كان
وراء المراجعات؛ حيث قال: "الذي وقع معي أن الجماعة تواضعت، وأدركنا حجمنا
الطبيعي. لم يعد المشكل هو تغيير المجتمع بل فقط أن نقوم بالواجب الذي يفرضه علينا
الدين، الاستقامة، والقيام بالدعوة... أصبنا بنوبة من التواضع، وأصبحنا
واقعيين" (نفسه).
وأبرز رئيس الحكومة، أسباب رفضه
لشعار "الإسلام هو الحل"؛ حيث قال: "عندما التحق بنا الإخوة في
رابطة المستقبل الإسلامي سنة 1996 أرادوا إقحام فكرة أن "الإسلام هو
الحل"، التي يقول بها الإخوان المسلمون، وخضنا معهم معركة عنيفة حول هذا
المبدأ حتى توصلنا إلى صيغة "الإسلام هو الهدى". لأنّ الإسلام لن يحل
مشكل السكن أو غيره من مشاكل الناس، فلماذا نُغْرٍ الناس بهذا الشعار؟ في حين لم
يبدأ زعماء الفكر الإخواني في مراجعة هذا الشعار إلا مؤخرا" (نفسه، ص. 46).
ذلك لسان المقال، يا رئيس
الحكومة، بينما لسان الحال يقول غير ذلك؛ حيث عمدتم إلى تعبئة الناخبين بشعارات مستوحاة
من شعار "الإسلام هو الحل"، وما زال حزب العدالة والتنمية ممعنا في
التوظيف السياسوي للدين. هذا ما يجعلنا نضع مراجعاتكم ومراجعات غيركم موضع تساؤل
كبير.
بلغة أخرى، المسافة كبيرة بين
الخطاب والممارسة؛ فقد سبق لكم أن أكدتم في وثيقة لكم سنة 2001 على الآتي: "إن
إبداع الحلول لمشاكل الحياة العامة، يبقى مرتبطا بالاجتهاد البشري، ولهذا من
السذاجة أن نقول أن هناك حلا إسلاميا لمشاكل البطالة، وحلا إسلاميا لأزمة الاستثمار
إلى غير ذلك من القضايا، فالباب مفتوح لعدة حلول في إطار مرجعية الإسلام ومقاصده،
وقد تكون في نفس الوقت قريبة من الفكر الليبرالي أو الاشتراكي (...) وينجم عن ذلك،
أن أبناء الحركة الإسلامية مطالبون بالتعاون مع كافة الأطراف لبلورة البدائل
والاقتراحات والحلول في إطار مقاصد الإسلام، ولا يعني أن هذه المقترحات ستكون
إسلامية، فمساهمتهم هي شخصية وتعبّر عن اجتهاد ولا يتحمل الإسلام مسؤوليتها.
المحصلة أن الحزب لا ينفرد بإيديولوجية، ولا يتميز بمرجعية مذهبية إسلامية خاصة ولهذا
نعتبر أن إيديولوجية حزبنا ليست حكرا عليه، فهي تجمع كافة المغاربة" (نص وثيقة
بنكيران، أسبوعية الصحيفة 13 ــ 19 مارس 2001، العدد 13).
رغم ذلك تتحدثون عن الإسلام كأن
لكم تفويضا وتوكيلا بالدفاع عنه، وممارساتكم تقول بأنكم تحتكرون الإسلام، واستحقاقات
2002، أي بعد إصداركم لتلك الوثيقة، التي عرفت حملاتها الانتخابية نعتا لمخالفيكم
بأقذع بالنعوت وأحطّها، ورميهم بالزندقة والإلحاد على خلفية النقاش حول الخطة الوطنية
لإدماج المرأة في التنمية، لهي شاهدٌ على البون الشاسع بين الخطاب والممارسة لديكم.
في سنة 2004 تحدث لحسن الداودي قائلا:
"كنا دائما نقول إن حزب العدالة والتنمية حزب ذو مرجعية إسلامية، فكلمة
إسلامي قد لا تعبر عن حقيقة ما نقوم به، فهل إذا أخطأ الحزب يكون الإسلام خاطئا،
كلا فالتدبير علمي والمرجعية التي نستقي منها الحلول مرجعية إسلامية، وهذا ينسحب
على كلمة بنك إسلامي أو اقتصاد إسلامي" (لحسن الداودي، حوار مع أسبوعية
الصحيفة، 27 فبراير- 4 مارس 2004، العدد 151). ومع ذلك أنتم تعملون على توظيف
عبارة "إسلامي" للترويج لمنتوجكم السياسي.
ذلك ما يجعلنا في حاجة إلى أن
نرى امتداد القول في الفعل والممارسة حتى يكتسب كلامكم المصداقية، بعيدا عن منطق "التمكين"،
وباحترام مختلف الحساسيات دون السقوط في فخ ديكتاتورية الأغلبية؛ إذ أن
الديمقراطية لا تنحصر في الجانب العددي، فالصناديق آلية من آليات الديمقراطية
وليست هي كل الديمقراطية، هذا يقودنا لسؤال ماذا تعني الديمقراطية؟
عموما، يمكن القول: "أن
الديمقراطية تشير إلى طريقة تنظيم السلطة السياسة التي تعتبر مشروعة عندما تقرّ
بتفوق السيادة الشعبية وعندما ترمي إلى التعزيز الفعلي للسيادة ولكن تنسيقها
الفعلي يرتكز دوما بمعظمه على تفويض السلطة إلى طاقم متخصص من خلال انتخابات دورية
وتنافسية من غير إقصاء فاضح لبعض القطاعات. وتشير الديمقراطية كذلك إلى طريقة
تنظيم السلطة السياسية التي لا تمارس فيها إرادة الأكثرية بشكل يسحق الأقليات أو
المجموعات أيا كانت مصالحها" (غي هرميه وآخرون، معجم علم السياسة والمؤسسات
السياسية، ص. 214 - 215). وهذا ما لم يستوعبه، بعد، أعضاء حزب العدالة والتنمية
الذين يلجأون إلى التلويح بالنصوص في خلط بين تدبير الشأن العام ونشر الدعوة، وفي
سحق للأقلية ودون اعتبار لسمو الشرعية الشعبية على أي شرعية أخرى. وهم يلجؤون إلى
افتعال التوتر من خلال خرجات مدروسة، تتزامن مع اشتداد الخناق على سياسة الحكومة،
فيعمدون إلى خلط الأمور وتعويمها بل وإلهاء جزء من الرأي العام حتى يتم تمرير
مجموعة من القرارات. وفي خرجاتهم هذه يستعملون قاموسا أكل عليه الدهر وشرب، مُعزَزاً
ببعض النصوص الدينية.
ذلك منبع تساؤلنا، في انتظار أن
يصدّق فعلُكم قولَكم !
* نشر في جريدة الأحداث المغربية يوم الأربعاء 5 غشت 2015 العدد 5662
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق