الثلاثاء، 18 أغسطس 2015

نعتُ الريسوني لسيد القمني بـ"الملحد القذِر" عنوان للتطرف والإرهاب، بقلم عبد الواحد بنعضرا*

نعتُ الريسوني لسيد القمني بـ"الملحد القذِر" عنوان للتطرف والإرهاب
عبد الواحد بنعضرا
 أعلن أحمد الريسوني، بوضوح، وهو في كامل قواه العقلية، كفر وإلحاد سيد القمني، ففي حواره مع أسبوعية "السبيل"؛ قال: " مما يتعجب له أن الدولة المغربية ما زالت ساكتة على فعل حزب "البام" الذي استقدم لنا ملحداً قذراً وأطلق يده ولسانه ليقصف عددا من مقدسات المسلمين " (الريسوني، حوار مع أسبوعية السبيل، 1 يوليوز 2015، العدد 195).
وإني أسألك يا شيخ أحمد: هل نصّبت نفسك إلهاً فوق الأرض حتى تُدخل من تشاء الجنة وتخرج منها من تشاء، وتكفّر من تشاء وتزكّي من تشاء، وتوزع على هذا صكوك الغفران وتحرم ذاك من رضا الرحمان؟ أم هل عيّنك أحدهم واسطة بين الله وبين الناس؟ وهل اقتحمت  العقبة ونلت الدرجات العلى ورأيت مقعدك من الجنة ومقاعد الآخرين في النار؟
وإني لأتساءل هل قرأت القرآن جيدا يا شيخ أحمد؟ فإني إذْ أعرض كلامَك، وما يقطر به من حقد وكراهية، على القرآن أجد المسافة بينهما بعيدة، نقرأ في القرآن: (ادْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين) (النحل/ 125). تأمّل يا شيخ هذه الكلمات: الحكمة والموعظة والمجادلة، بالتي هي أحسن، ولاحظ أنه لم يقل بأن أحداً من البشر أعلم بالمهتدين ! بل الله أعلم بالمهتدين، الله فقط، وبعد ذلك لا يملك احد إلا أن يردّد: (يوم القيامة عند ربكم تختصمون) (الزمر/31).
وتأمل في هذه الآيات: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين، ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم، وما يُلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) (فصلت/ 33 – 35). أمّا إذا كان ذا حظ قليل فإنه سيسارع إلى إشهار سلاح التكفير أمام حرية التفكير، ومقارعة الحجة بالجهالة ومقابلة الفكرة الرصينة بالصراخ والضجيج، ومواجهة التحليل العلمي بالدعاء على أهله بالويل والثبور والخسران والبوار، والرد على الكلمة بقاموس من الشتائم والسباب، وشتان بين الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة، ألم تقرأ: (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبةً كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء توتي أكلها كل حين بإذن ربها) (إبراهيم/  24- 26).
إن إصراركم على الاستغاثة، لمواجهة فكر الآخرين، بقاموس يمتح من أدبيات قعقعة السيوف وسفك الدماء وجزّ الأعناق وقطع الرقاب ورمي الخصوم بالزندقة والإلحاد، دليل عجز لا قوة، ومؤشر على الحقد والكراهية لا الطهر والمحبة، وعنوان للتطرف والإرهاب لا الاعتدال والتسامح.
إنه من الغريب، والحال كذلك يا شيخ أحمد، أن نراك تتحدث عن التسامح، حين قلت في حوار آخر مع الجريدة نفسها: " التسامح الذي ندعو إليه ونتمسك به يتضمن عدم التشدد في الدين، وعدم التشديد على الناس، والتعامل معهم بالتيسير والرفق، وحسن الظن، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، دون إكراه ولا ضغط على أحد" (الريسوني، حوار مع أسبوعية السبيل، 16 ماي 2015، العدد 192). فهل من الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة نعت مفكر بأنه ملحد وقذر؟ لماذا غابت في ردك على القمني تلك النبرة الواثقة الحكيمة، لماذا تناسيت ما تشدقت به من حديث عن فضيلة الحوار وحسن الجدال،  وما تدندن به من وسطية واعتدال؟  
ما ضرّكم من سيد القمني وباقي المفكرين إلا أنهم ألْهَبوا عصباً مكشوفاً وعرّوا حقيقتكم وأسقطوا عنكم ورقة التوت وكشفوا استغلالكم للدين أبشع استغلال وتوظيفكم له لتحقيق مصالحكم السياسية؛ حيث جعلتموه مطية للتوصل بها إلى حطام الدنيا ومآرب أخرى.
ألم يكشفوا استغلالكم لمسألة الحاكمية قبل أن تطبّلوا ــ اليوم ــ للديمقراطية، واستغلالكم لشعار "تطبيق الشريعة" قبل أن تنقلبوا للمطالبة باحترام الشرعية العددية شرعية صناديق الاقتراع، وتلويحكم بشعار "الإسلام هو الحل" قبل أن يصير شعاركم "الإسلام هو الهدى"، وغيرها مما كانت تعتبر لديكم في السابق من "مقدسات المسلمين" وهي في الأصل شعارات سياسية، فنقاشها ونقدها، إذن، هو نقد لاستغلال الدين في السياسة.
إن سيد القمني وغيره من المفكرين كانوا وما يزالون يحاربون المتاجرة بالدين واستغلاله في السياسة من أجل حطام من الدنيا زائل تبغون الوصول إليه وتتهافتون للوقوع عليه... وأمام عجزكم عن مقارعتهم الحجة بالحجة تلجأون إلى أسهل وسيلة لتكميم أفواههم وإخراس أصواتهم وكسر أقلامهم وهو إشهار سلاح التكفير في وجوههم ورميهم بالإلحاد في انتظار من ينفّذ. أفليس ذلك عين التطرف؟ أفليس ذلك عين الإرهاب؟

 * نشر بجريدة الأحداث المغربية يوم الاثنين 17 غشت 2015 العدد 5672

الجمعة، 14 أغسطس 2015

فتوى ابن باز بتكفير القول بكروية الأرض ودورانها نموذج لعبادة النصوص، بقلم عبد الواحد بنعضرا*

فتوى ابن باز بتكفير القول بكروية الأرض ودورانها نموذج لعبادة النصوص
عبد الواحد بنعضرا
تناولت في مقال سابق تناقضات العقل النصي، وفي هذا المقال، سأقدم نموذجا بارزا لهذه القضية، وتتمثل في إحدى أكثر الفتاوي إثارة للجدل في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي فتوى ابن باز، شيخ فقهاء السعودية والحجاز والوهابية عموما في وقته، التي نفت كروية الأرض جملة وتفصيلا وأية حركة لها، بل وكفرّت كل من يعتقد ذلك. وقد نُشرت الفتوى في مواطن عدة، حيث قال ابن باز: "فلقد شاع بين كثير من الكتاب والمؤلفين والمدرّسين في هذا العصر أن الأرض تدور، والشمس ثابتة، وراج هذا على كثير من الألسن، وكثر السؤال عنه، فرأيت من الواجب أن أكتب في هذا كلمة موجزة ترشد القارئ إلى أدلة بطلان هذا القول ومعرفة الحق في هذه المسألة، فأقول قد دلّ القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وإجماع علماء الإسلام، والواقع المشاهد على أن الشمس جارية في فلكها كما سخرها الله سبحانه وتعالى، وأن الأرض ثابتة قارة قد بسطها الله لعباده وجعلها لهم فراشا ومهدا وأرساها لئلا تميد بهم" (عبد العزيز ابن باز، الأدلة النقلية والحسية على إمكان الصعود إلى الكواكب وعلى جريان الشمس والقمر وسكون الأرض، ص. 21). والشاهد في قضيتنا هذه، قضية القرن 20 !! أن الرجل سوّد ورقات عديدة، مستدلا فيها بآيات قرآنية، لإثبات صحة فتواه، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الآية: (أو لم ير الذين كفروا أن السماء كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي، أفلا يؤمنون، وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها سبلا لعلهم يهتدون وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون)، وآية: (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم)... مؤكدا أن: "هذه الآيات الكريمات دلائل قاطعة، وبراهين ساطعة على أن الشمس جارية لا ثابتة، وأن الأرض قارة ساكنة كما أرساها الله بالجبال الرواسي ومدّها لعباده وبسطها لهم وجعلها فراشا" (ابن باز، نفسه، ص. 22). فالرجل يتحدث عن دلائل قاطعة كما رأينا في كلامه. وهو من هو ! كبير فقهاء الوهابية عامة، والشيخ الأكبر للسعودية سابقا. إن استدلاله بنصوص قرآنية على أنها دلائل قاطعة على ثبوت الأرض وانبساطها يرمي بأحجار عديدة في المياه الراكدة لألئك الذين يرفعون في وجوهنا النصوص لكي يفحمون، زعماً، مخالفيهم ثم يكفرونهم لينتهي أي نقاش؛ إذ أنهم مافتئوا يلوّحون بعبارة: "لا اجتهاد مع النص". وهذا هو منطلق ابن باز الذي أداه إلى تكفير القائلين بكروية الأرض وبحركتها، ومتى؟ في القرن 20؛ حيث أعلنها حربا مدوية: "وكل من كذب الله سبحانه أو كذّب كتابه الكريم أو كذّب رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام فهو كافر ضال مضل يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا مرتدا ويكون ماله فيئا لبيت مال المسلمين كما نصّ على مثل هذا أهل العلم والإيمان في باب حكم المرتد، وكما أن هذا القول بالباطل مخالف للنصوص فهو مخالف للمشاهد المحسوس، ومكابرة للمعقول والواقع، فلم يزل الناس، مسلمهم وكافرهم يشاهدون الشمس جارية طالعة وغاربة، ويشاهدون الأرض قارة ثابتة، ويشاهدون كل بلد وكل جبل في جهته لم يتغير من ذلك شيء، ولو كانت الأرض تدور كما يزعمون لكانت البلدان والجبال والأشجار والأنهار والبحار لا قرار لها" (ابن باز، نفسه، ص. 23). وإذا كان كلام ابن باز لا يقبله اليوم حتى شيوخ الوهابية، حتى أنهم أزالوا هذه الفتوى من الطبعات الحديثة لفتاوى ابن باز، بحكم الواقع الذي أصبح معلوما للجميع في ما يخص شكل وحركة الأرض، فإنني أتساءل كم يلزمنا من سنوات أو أجيال حتى تصبح كثير من الأشياء مقبولة من طرف الفقهاء بحكم الواقع، وحتى ذلك الحين هل من المعقول أن يظل البعض يلوح بيد بالنص وبيد أخرى بالتكفير والخنجر أو الرشاش؟

إن فتوى ابن باز هذه، شأنها شأن غيرها، نموذج لعبادة النصوص التي قال عنها ذات يوم الكاتب الإسلامي فهمي هويدي: "إن الوثنية ليست فقط عبادة الأصنام، فهذه صيغة الزمن القديم. ولكن وثنية هذا الزمان صارت تتمثل في عبادة القوالب والرموز. في عبادة النصوص والطقوس ومشاهير القادة وعظمائهم. وهي كل محاولة لتعطيل عقل الإنسان وقدراته، وتأكيد عجزه أمام هذه المقدسات الجديدة" (فهمي هويدي، القرآن والسلطان، ص. 35). ولم يعد يكفي أن نأخذ بما قاله ابن رشد (ت. 1198م): "ونحن نقطع قطعا أن كل ما أدى إليه البرهان وخالفه ظاهر الشرع أن ذلك الظاهر يقبل التأويل على قانون التأويل العربي (...) بل نقول أنه ما من منطوق به في الشرع مخالف بظاهره لما أدى إليه البرهان، إلا إذا عتبر الشرع وتصفحت سائر أجزائه وُجد في ألفاظ الشرع ما يشهد لذلك التأويل أو يقارب أن يشهد" (ابن رشد، كتاب فصل المقال، ص. 36). أو ما قام به محمد عبده (ت. 1905م)، حين فسّر بعض الآيات تفسيرا علميا رغبة منه في نفي اللاعقلانية عن الدين في عزّ سطوة العقل الوضعي في العالم. بل نحتاج، اليوم، إلى تأكيد الفصل بين مختلف الحقول، وقد سبق أن نبهتُ في دراسة سابقة عن الخلط الذي يقع، على سبيل المثال، بين البنية الدينية والبنية العلمية عند نقاش آية (أو لم ير الذين كفروا أن السماء كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي) (الأنبياء/30)، حيث قلتُ: " إن عجز الإنسان أمام تلك الفضاءات التي تبدو عالية ومبتعدة عليه جعله يؤثثها بكل ما هو غريب/قوي/جميل/معجز/خالد... فانعكس هذا في تصور الإنسان لبداية الخلق وكيف جعل السماء تفارق الأرض، معبرا بذلك عن أن كل ما هو متعالي/سماوي هو "مفارق" للأرض حيث لا يوجد إلا ما هو ضعيف/عاجز/عرَضي وفاني... فالسماء عند الإنسان القديم هي الطهارة، السمو، العلو والكامل، رمز المقدس، وكل ما يأتي من فوق فهو كامل ومعجز. فوضع النصوص القرآنية في سياقها التاريخي والثقافي والمعرفي يجعلنا نُـزيل ذلك اللبس الذي يعتري بعض الآيات ويستغله البعض للحديث عن الإعجاز العلمي لهذه النصوص وهم يخلطون في ذلك بين بنيتين مختلفتين تماما" (بنعضرا، عن أي إعجاز علمي يتحدثون؟). من هنا أخلص إلى أننا نُضيع الكثير من الوقت والجهد حين نقحم النصوص في ما يتعلق بالفضاء العام وتدبير الشأن العام. على أساس أن لكل واحد الحق في اختيار شكل الحياة التي يريدها ولكن ليس من حقه أن يفرضها على الآخرين بدعوى النص، وقد رأينا إلى أي نتيجة انتهت إليه عبادة النصوص من خلال فتوى ابن باز هذه. وأتساءل أليس من الإهانة الكبيرة لنا ولعقولنا أن نقول لهذا العقل الجبار الذي اخترع واكتشف وأنجز ثورة المعلوميات والاتصال وكافة المنجزات الطبية في القرن 21 توقف فقد جاء النص؟
* نشر المقال في جريدة الأحداث المغربية يوم الخميس 6 مارس 2014 العدد 5223

الثلاثاء، 11 أغسطس 2015

ماذا بعد المراجعات يا رئيس الحكومة؟، بقلم عبد الواحد بنعضرا*

ماذا بعد المراجعات يا رئيس الحكومة؟
عبد الواحد بنعضرا
يتواصل الحديث عن المراجعات الفكرية، لدى تيارات "الإسلام السياسي"، والسؤال لدينا: ماذا بعد المراجعات؟ بمعنى آخر إلى أي حدّ ستفرز هذه المراجعات التزاما من قِبل تلك التيارات بعدم استعمال "الدين" في السياسة؟
أعلن رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران في آخر حوار له، مع مجلة زمان، بوضوح: "عندما يصوّت علينا الناس فلِنحل مشاكلهم وليس لنفرض عليهم أي شيء" (بنكيران، حوار مع مجلة زمان، العدد 21، يوليوز 2015، ص. 47).
أوضح، أيضا، أن ضغط الواقع كان وراء المراجعات؛ حيث قال: "الذي وقع معي أن الجماعة تواضعت، وأدركنا حجمنا الطبيعي. لم يعد المشكل هو تغيير المجتمع بل فقط أن نقوم بالواجب الذي يفرضه علينا الدين، الاستقامة، والقيام بالدعوة... أصبنا بنوبة من التواضع، وأصبحنا واقعيين" (نفسه).
وأبرز رئيس الحكومة، أسباب رفضه لشعار "الإسلام هو الحل"؛ حيث قال: "عندما التحق بنا الإخوة في رابطة المستقبل الإسلامي سنة 1996 أرادوا إقحام فكرة أن "الإسلام هو الحل"، التي يقول بها الإخوان المسلمون، وخضنا معهم معركة عنيفة حول هذا المبدأ حتى توصلنا إلى صيغة "الإسلام هو الهدى". لأنّ الإسلام لن يحل مشكل السكن أو غيره من مشاكل الناس، فلماذا نُغْرٍ الناس بهذا الشعار؟ في حين لم يبدأ زعماء الفكر الإخواني في مراجعة هذا الشعار إلا مؤخرا" (نفسه، ص. 46).
ذلك لسان المقال، يا رئيس الحكومة، بينما لسان الحال يقول غير ذلك؛ حيث عمدتم إلى تعبئة الناخبين بشعارات مستوحاة من شعار "الإسلام هو الحل"، وما زال حزب العدالة والتنمية ممعنا في التوظيف السياسوي للدين. هذا ما يجعلنا نضع مراجعاتكم ومراجعات غيركم موضع تساؤل كبير.
بلغة أخرى، المسافة كبيرة بين الخطاب والممارسة؛ فقد سبق لكم أن أكدتم في وثيقة لكم سنة 2001 على الآتي: "إن إبداع الحلول لمشاكل الحياة العامة، يبقى مرتبطا بالاجتهاد البشري، ولهذا من السذاجة أن نقول أن هناك حلا إسلاميا لمشاكل البطالة، وحلا إسلاميا لأزمة الاستثمار إلى غير ذلك من القضايا، فالباب مفتوح لعدة حلول في إطار مرجعية الإسلام ومقاصده، وقد تكون في نفس الوقت قريبة من الفكر الليبرالي أو الاشتراكي (...) وينجم عن ذلك، أن أبناء الحركة الإسلامية مطالبون بالتعاون مع كافة الأطراف لبلورة البدائل والاقتراحات والحلول في إطار مقاصد الإسلام، ولا يعني أن هذه المقترحات ستكون إسلامية، فمساهمتهم هي شخصية وتعبّر عن اجتهاد ولا يتحمل الإسلام مسؤوليتها. المحصلة أن الحزب لا ينفرد بإيديولوجية، ولا يتميز بمرجعية مذهبية إسلامية خاصة ولهذا نعتبر أن إيديولوجية حزبنا ليست حكرا عليه، فهي تجمع كافة المغاربة" (نص وثيقة بنكيران، أسبوعية الصحيفة 13 ــ 19 مارس 2001، العدد 13).
رغم ذلك تتحدثون عن الإسلام كأن لكم تفويضا وتوكيلا بالدفاع عنه، وممارساتكم تقول بأنكم تحتكرون الإسلام، واستحقاقات 2002، أي بعد إصداركم لتلك الوثيقة، التي عرفت حملاتها الانتخابية نعتا لمخالفيكم بأقذع بالنعوت وأحطّها، ورميهم بالزندقة والإلحاد على خلفية النقاش حول الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، لهي شاهدٌ على البون الشاسع بين الخطاب والممارسة لديكم.
في سنة 2004 تحدث لحسن الداودي قائلا: "كنا دائما نقول إن حزب العدالة والتنمية حزب ذو مرجعية إسلامية، فكلمة إسلامي قد لا تعبر عن حقيقة ما نقوم به، فهل إذا أخطأ الحزب يكون الإسلام خاطئا، كلا فالتدبير علمي والمرجعية التي نستقي منها الحلول مرجعية إسلامية، وهذا ينسحب على كلمة بنك إسلامي أو اقتصاد إسلامي" (لحسن الداودي، حوار مع أسبوعية الصحيفة، 27 فبراير- 4 مارس 2004، العدد 151). ومع ذلك أنتم تعملون على توظيف عبارة "إسلامي" للترويج لمنتوجكم السياسي.
ذلك ما يجعلنا في حاجة إلى أن نرى امتداد القول في الفعل والممارسة حتى يكتسب كلامكم المصداقية، بعيدا عن منطق "التمكين"، وباحترام مختلف الحساسيات دون السقوط في فخ ديكتاتورية الأغلبية؛ إذ أن الديمقراطية لا تنحصر في الجانب العددي، فالصناديق آلية من آليات الديمقراطية وليست هي كل الديمقراطية، هذا يقودنا لسؤال ماذا تعني الديمقراطية؟
عموما، يمكن القول: "أن الديمقراطية تشير إلى طريقة تنظيم السلطة السياسة التي تعتبر مشروعة عندما تقرّ بتفوق السيادة الشعبية وعندما ترمي إلى التعزيز الفعلي للسيادة ولكن تنسيقها الفعلي يرتكز دوما بمعظمه على تفويض السلطة إلى طاقم متخصص من خلال انتخابات دورية وتنافسية من غير إقصاء فاضح لبعض القطاعات. وتشير الديمقراطية كذلك إلى طريقة تنظيم السلطة السياسية التي لا تمارس فيها إرادة الأكثرية بشكل يسحق الأقليات أو المجموعات أيا كانت مصالحها" (غي هرميه وآخرون، معجم علم السياسة والمؤسسات السياسية، ص. 214 - 215). وهذا ما لم يستوعبه، بعد، أعضاء حزب العدالة والتنمية الذين يلجأون إلى التلويح بالنصوص في خلط بين تدبير الشأن العام ونشر الدعوة، وفي سحق للأقلية ودون اعتبار لسمو الشرعية الشعبية على أي شرعية أخرى. وهم يلجؤون إلى افتعال التوتر من خلال خرجات مدروسة، تتزامن مع اشتداد الخناق على سياسة الحكومة، فيعمدون إلى خلط الأمور وتعويمها بل وإلهاء جزء من الرأي العام حتى يتم تمرير مجموعة من القرارات. وفي خرجاتهم هذه يستعملون قاموسا أكل عليه الدهر وشرب، مُعزَزاً ببعض النصوص الدينية.

ذلك منبع تساؤلنا، في انتظار أن يصدّق فعلُكم قولَكم !
* نشر في جريدة الأحداث المغربية يوم الأربعاء 5 غشت 2015 العدد 5662

الثلاثاء، 4 أغسطس 2015

الريسوني والثالوث المقدس: القرضاوي، قطر، والجنس، بقلم عبد الواحد بنعضرا*

الريسوني والثالوث المقدس: القرضاوي، قطر، والجنس
عبد الواحد بنعضرا
أحمد الريسوني، المتناقض مع نفسه، دائما، المنتقد لكل شيء، لا يعجبه العجب، المتسامح مع وجود حرية المعتقد والرافض للتنصيص عليها في الدستور، الداعي لدولة مدنية الدابّ في الوقت نفسه على التنصيص على إسلامية الدولة؛ إذ لا بين بين عنده، فإما إسلامية وإما دولة علمانية أو إلحادية (أخبار اليوم، 30/ 6 / 2011).!! المرحّب في الوقت نفسه بالعلمانية المعتدلة (الأيام الأسبوعية، 13 - 19 / 3 / 2014). القائل بتطبيق الشريعة، المستدرك، اليوم، أن الشريعة هي كل ما يخدم الناس ويحقق مصلحة الإنسان (حوارته في 2011، وكتابه فقه الثورة 2012، ينظر: بنعضرا، وراء دعوة "الريسوني" لمراجعة مفهوم الشريعة ما وراءها، الأحداث المغربية، 10 و11/  10 / 2013).
 القائل بأن منابر الجمعة يجب أن تصان عن الانشغالات السياسية وألا يلقى فيها إلا ما هو متفق عليه، المنتقد في الوقت نفسه /بل الحوار نفسه، لمراقبة الوزارة الوصية لخطب الجمعة (المساء، 29- 30/  10 / 2011)، المندد بإجراءات هذه الوزارة  من خلال عرضه وابتكاره للائحة بالمواضيع التي يحرم على الخطباء الاقتراب منها كما قال، في مقال "وزارة الأوقاف وسياسة بوكو حرام" (أخبار اليوم، 7 / 8 / 2014). وهلمّ تناقضات.
غير أن هناك ثالوثا مقدسا عند الريسوني، دون المساس به خرط القتاد وفتّ الأكباد وزرع الأحقاد: شيخه القرضاوي، قطر، والجنس... الرؤية هنا واضحة، كيف؟
قد يفعل القرضاوي أي شيء بما فيه الإفتاء بأخذ القروض من الأبناك التقليدية من أجل السكن، رغم اعتبار ذلك من قِبلهم أنها "ربا"، فيجد الريسوني مخرجا لذلك بقوله:"من أخذ برأي الشيخ القرضاوي فهو حجة عند ربّه" (التجديد، 22-24 / 9 / 2006).
ولم لا، فبالنسبة للريسوني فإن: "القرضاوي هو العالم الأول في الأمة وكلمته هي الأعلى وهو رقم واحد في العلم المجتهد المحترم (...) القرضاوي ليس محط جدل، فهو موحد كلمة الأمة ويرأس أكبر اتحاد في تاريخ الأمة وهو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" (الأسبوع الصحفي، 1 /11/ 2012).  وبلغة أخرى:  فإن طاعة القرضاوي من طاعة الله. يا شيخ أحمد لم نتعود منك هذا التقديس للأشخاص.
وقد دافع عن القرضاوي بأن مواقفه السياسية تعبّر عن اصطفافه إلى جانب الشعوب المقهورة إبان "الربيع العربي" (المساء، 5 - 6 / 7 / 2014)، ونسي موقفه من الشعب البحريني ! أذكّرك هنا يا شيخ أحمد بما قاله رضى الموسوي البحريني عن توصيف القرضاوي بما وقع في الحرين بالثورة الطائفية، بأن: "هذه فتوى شيطانية ترتقي إلى مستوى الجريمة، لأنه عندما قال القرضاوي إن ما يحدث في البحرين مصدره طائفي كان يعرف تمام المعرفة بأن الواقع مناف لما قاله (...) ما قام به الشيخ القرضاوي أضرّ كثيرا بالنضال الوطني الديمقراطي السلمي والحضاري في البحرين" (المساء،18 / 12 / 2012).
وحين تصابى الشيخ القرضاوي وعاش مراهقة متأخرة فيها النظرات والمكالمات والأشعار، كما صرحت طليقته أسماء بن قادة (نقلا عن الأحداث المغربية، 22 / 7 / 2012)، فإن الريسوني لم ينبس ببنت شفة، ولم تأخذه الحمية الأخلاقية ولا الغيرة الدينية !
أما قطر، فقد تفعل أي شيء، بما في ذلك ما تفجّر عن رشاويها لاستضافة كأس العالم، ولكنه لا يجرؤ على انتقادها، لا يستطيع الريسوني أن يضع لائحة "بوكو حرام" التي تقوم بها قطر هنا وهناك... بل دافع عن أنها تقف إلى جانب الشعوب المقهورة !! (المساء، 5 - 6 / 7 / 2014). قد قمتَ بسب السعودية وحكامها، وانتقدت المغاربة بكل صنوفهم، ولكن قطر، وما يقطر عنها، منزهة ومقدسة !!
أما الجنس فهوايته المفضلة، شأنه في ذلك شأن تيارات الإسلام السياسي من خلال ما أسمّيه بـ"ممارسة السياسة في الجنس"، بالربط بين قضايا خِلافية والجنس، ويسهل حينها نعت الخصوم السياسيين، من قوى يسارية وديمقراطية، بأنها أحزاب الشيطان وأعوانه في نشر الفساد والرذيلة والإباحية مادام الجنس قد غُلّف أخلاقيا برداء ديني... والقصد من ذلك هو ضرب الخصوم سياسيا... ويظهر هذا عند الريسوني في خرجاته المتعددة، ففي مقاله: "الحِداد على امرأة الحدّاد"، الذي يتأسف فيه على ضياع نموذج المرأة التي كان يدعو إليها الطاهر الحداد، وغيره من المفكرين، وإبداله بنموذج آخر، قال الريسوني: "الحداد إنما هو بسبب الخوف على أفول امرأة الحدّاد وابن عاشور وعلال الفاسي والحجوي، بعد بروز أصناف جديدة من النساء والفتيات يتم تصنيعهن وتكييفهن وتوجيههن حسب متطلبات المتعة والفرجة والتجارة والإجارة والإثارة (...) هذه مجرد إشارات وقطرات من بحر نساء الحداثة ومازالت الماكينة تشتغل وتنتج، ومازال شياطين الرجال ــ وليس النساء ــ يصمّمون لهن ويخترعون، ويفتحون عليهن من أبواب حهنم.. فكيف لا نعلن الحداد على امرأة الحدّاد وعلى ما بعد امرأة الحداد" (المساء، 10 / 12 / 2014).
وفي مقاله: "من الزواج المثالي إلى الزواج المثلي" تساءل الريسوني: "فهل سيصل الإجهاضيون ــ فرع المغرب ــ في نضالاتهم التحديثية حتى يحققوا مغربة الزواج المثلي وتقنين الحقوق الجنسية المثلية؟ أظن أن جوابهم لن يتأخر" (المساء، 10 / 4 / 2015).
ونتساءل ما العلاقة بين الإجهاض والزواج المثلي؟ تماما مثلما نتساءل عن الغيرة الدينية على ما أسماه "امرأة الحدّاد" أين غابت فيما يتعلق بقضايا الحب في الحكومة والزواج العرفي لنساء حركته/حزبه، ومُراهَقات شيخه، فالأمر كما قلنا ممارسة للسياسة من خلال الركوب على مشجب انهيار الأخلاق وانتشار الزنا...
لا داعي للتذكير، بأن هذه اللعبة باتت مكشوفة، وأن حزب العدالة والتنمية قد يحترق بها، خصوصا مع ما تفجر لديه من قضايا من هذا النوع.
القصد مما سبق، أني أريد أن أنبّه على أن الاستمرار في اللعب على نفس الحبال مغامرة ومضيعة للوقت. أمّا كونها مضيعة للوقت، فلأن كثيرا من القضايا تعودون فيها لأخذ رأي المخالفين بعد مرور الزمن، وبعد أن تكونوا قد شوهتم فكرتهم ورميتموهم بمختلف النعوت القدحية، بلغة أخرى سجلتم عليهم نقاطا سياسوية. أمّا أنها مغامرة، فإني أرى أن تصوير المغرب بأنه ماخور أو أن فيه دعاة الإلحاد والكفر وأن الإسلام في خطر... هو الطريق السيار لتسويغ العنف وممارسة الإرهاب... وهي مقدمات شبيهة لما وقع في ماي 2003... والغريب أنك يا شيخ في حوار سُئلت عن حكم من قتل شخصا آخر بضلال فكري، فصَمتَ، ثم قلت: "لا أعرف له حكما. أنا لستُ قاضيا لأحكم في هذه النازلة والفهم في هذه النازلة أولى من الحكم" (الأيام، 15 - 21 / 7 / 2004). عذر أقبح من زلة ! أما آن لكم أن تفهموا أنه لم يعد هناك مجال للعب بالنار، وأن السياسة تمارس بالعقل لا بالغريزة، أم أن الفطام عن "الأمية" سيطول؟ مرة أخرى نذكّركم بأن السياسة تدبير للشأن العام وليست مجالا لإقامة محاكم التفتيش... وإذا كنتم جادين في مراجعاتكم، في هذا الوقت الذي بات فيه الكثيرون يقومون بـ"المراجعة"، فعليكم أن تكونوا منسجمين مع أنفسكم، وكفى من لعبة تقاسم الأدوار فيما يتعلق بقضايا "الدين" ! حذار !

* نشر في جريدة الأحداث المغربية يوم الاثنين 3 غشت 2015 ، العدد 5660