نعتُ الريسوني لسيد القمني بـ"الملحد
القذِر" عنوان للتطرف والإرهاب
عبد الواحد بنعضرا
أعلن أحمد
الريسوني، بوضوح، وهو في كامل قواه العقلية، كفر وإلحاد سيد القمني، ففي حواره مع
أسبوعية "السبيل"؛ قال: " مما يتعجب له أن الدولة المغربية ما زالت
ساكتة على فعل حزب "البام" الذي استقدم لنا ملحداً قذراً وأطلق يده
ولسانه ليقصف عددا من مقدسات المسلمين " (الريسوني، حوار مع أسبوعية السبيل،
1 يوليوز 2015، العدد 195).
وإني أسألك يا شيخ أحمد: هل نصّبت نفسك إلهاً فوق الأرض
حتى تُدخل من تشاء الجنة وتخرج منها من تشاء، وتكفّر من تشاء وتزكّي من تشاء،
وتوزع على هذا صكوك الغفران وتحرم ذاك من رضا الرحمان؟ أم هل عيّنك أحدهم واسطة
بين الله وبين الناس؟ وهل اقتحمت العقبة
ونلت الدرجات العلى ورأيت مقعدك من الجنة ومقاعد الآخرين في النار؟
وإني لأتساءل هل قرأت القرآن جيدا يا شيخ أحمد؟ فإني إذْ
أعرض كلامَك، وما يقطر به من حقد وكراهية، على القرآن أجد المسافة بينهما بعيدة،
نقرأ في القرآن: (ادْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي
أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين) (النحل/ 125). تأمّل
يا شيخ هذه الكلمات: الحكمة والموعظة والمجادلة، بالتي هي أحسن، ولاحظ أنه لم يقل بأن
أحداً من البشر أعلم بالمهتدين ! بل الله أعلم بالمهتدين، الله فقط، وبعد ذلك لا
يملك احد إلا أن يردّد: (يوم القيامة عند ربكم تختصمون) (الزمر/31).
وتأمل في هذه الآيات: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله
وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين، ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي
أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم، وما يُلقّاها إلا الذين صبروا
وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) (فصلت/ 33 – 35). أمّا إذا كان ذا حظ قليل فإنه سيسارع
إلى إشهار سلاح التكفير أمام حرية التفكير، ومقارعة الحجة بالجهالة ومقابلة الفكرة
الرصينة بالصراخ والضجيج، ومواجهة التحليل العلمي بالدعاء على أهله بالويل والثبور
والخسران والبوار، والرد على الكلمة بقاموس من الشتائم والسباب، وشتان بين الكلمة
الطيبة والكلمة الخبيثة، ألم تقرأ: (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبةً كشجرة
طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء توتي أكلها كل حين بإذن ربها) (إبراهيم/ 24- 26).
إن إصراركم على الاستغاثة، لمواجهة فكر الآخرين، بقاموس
يمتح من أدبيات قعقعة السيوف وسفك الدماء وجزّ الأعناق وقطع الرقاب ورمي الخصوم
بالزندقة والإلحاد، دليل عجز لا قوة، ومؤشر على الحقد والكراهية لا الطهر والمحبة،
وعنوان للتطرف والإرهاب لا الاعتدال والتسامح.
إنه من الغريب، والحال كذلك يا شيخ أحمد، أن نراك تتحدث
عن التسامح، حين قلت في حوار آخر مع الجريدة نفسها: " التسامح الذي ندعو
إليه ونتمسك به يتضمن عدم التشدد في الدين، وعدم التشديد على الناس، والتعامل معهم
بالتيسير والرفق، وحسن الظن، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، دون إكراه ولا ضغط
على أحد" (الريسوني، حوار مع أسبوعية السبيل، 16 ماي 2015، العدد 192). فهل
من الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة نعت مفكر بأنه ملحد وقذر؟ لماذا غابت في ردك
على القمني تلك النبرة الواثقة الحكيمة، لماذا تناسيت ما تشدقت
به من حديث عن فضيلة الحوار وحسن الجدال،
وما تدندن به من وسطية واعتدال؟
ما ضرّكم من سيد القمني وباقي المفكرين إلا أنهم ألْهَبوا
عصباً مكشوفاً وعرّوا حقيقتكم وأسقطوا عنكم ورقة التوت وكشفوا استغلالكم للدين أبشع
استغلال وتوظيفكم له لتحقيق مصالحكم السياسية؛ حيث جعلتموه مطية للتوصل بها إلى
حطام الدنيا ومآرب أخرى.
ألم يكشفوا استغلالكم لمسألة الحاكمية قبل أن تطبّلوا ــ
اليوم ــ للديمقراطية، واستغلالكم لشعار "تطبيق الشريعة" قبل أن تنقلبوا
للمطالبة باحترام الشرعية العددية شرعية صناديق الاقتراع، وتلويحكم بشعار
"الإسلام هو الحل" قبل أن يصير شعاركم "الإسلام هو الهدى"، وغيرها
مما كانت تعتبر لديكم في السابق من "مقدسات المسلمين" وهي في الأصل
شعارات سياسية، فنقاشها ونقدها، إذن، هو نقد لاستغلال الدين في السياسة.
إن سيد القمني وغيره من المفكرين كانوا وما يزالون يحاربون
المتاجرة بالدين واستغلاله في السياسة من أجل حطام من الدنيا زائل تبغون الوصول
إليه وتتهافتون للوقوع عليه... وأمام عجزكم عن مقارعتهم الحجة بالحجة تلجأون إلى
أسهل وسيلة لتكميم أفواههم وإخراس أصواتهم وكسر أقلامهم وهو إشهار سلاح التكفير في
وجوههم ورميهم بالإلحاد في انتظار من ينفّذ. أفليس ذلك عين التطرف؟ أفليس ذلك عين
الإرهاب؟
* نشر بجريدة الأحداث المغربية يوم الاثنين 17 غشت 2015 العدد 5672