الخميس، 4 سبتمبر 2014

حجاب الصغيرات.. اغتصاب للطفولة، بقلم عبد الواحد بنعضرا*



حجاب الصغيرات.. اغتصاب للطفولة
عبد الواحد بنعضرا
بيّنت كثير من البحوث العلمية التي أجريت أن الفروق الموجودة بين الجنسين تعود أساسا ــ وتشكل انعكاسا ــ للأنظمة الاجتماعية السائدة، تقول أورزولا شوي في كتابها: "أصل الفروق بين الجنسين" ما يلي: "إن الخصائص الأنثوية، التي كانت تعتبر أصلية، مثل عاطفة الأمومة والعاطفية والاهتمام الاجتماعي والسلبية، ليست أنثوية بالطبيعة ولا فطرية بل مكتسبة ثقافيا، كيف يحدث هذا؟ عبر تأثيرات مباشرة وغير مباشرة في الأيام والشهور والسنوات الأولى من الحياة، هذا ما يمكن تبيانه اليوم وبدقة علمية وفي كل مرحلة من مراحل التطور" (دار الحوار اللاذقية، 1995، ص. 11). وتضيف أرزولاي شوي: "إن ما تسمى طبيعة "أنثوية" و"ذكرية" كانت وما تزال تخدم لإضفاء الشرعية على استمرار سيادة الرجال على النساء وتتخذ ذريعة لتوزيع العمل تبعا للجنس، هذا يعني: مسؤولية النساء وحدهن فيما يخص العمل في حقل إعادة الإنتاج [من حمل وولادة وتربية أطفال وأعمال بيتية غير تجارية] وحصرهن في أعمال "نسوية الطابع" في حقل الإنتاج الاجتماعي (أشكال "أنثوية" الطابع، سيئة الأجر، في النهاية الدنيا من التراتب). وتتخذ من ناحية أخرى ذريعة لتحرر الرجال من العمل في مجال إعادة الإنتاج ولدمجهم تماما في عملية الإنتاج (بأجر أفضل وفي مرتبة أعلى من مرتبة النساء)..." (نفسه، ص. 19).
ففي الأنظمة الاجتماعية الذكورية الأبوية، يحدد دور المرأة بأنها تابعة وخادمة للرجل، مطيعة له ومستسلمة، ومن أجل ذلك تقدم نفسها قربانا له ولأطفاله أيضا، وكي تقتنع بذلك عليها أن تتلقى منذ طفولتها المبكرة تربية تحدّ من قوتها وقدراتها الجسمية والنفسية والفكرية وتضيّق عليها مجال وميدان التحرك، وتفرض عليها طاعة الذكور جميعا، الأب والإخوة ــ حتى لو كانوا أصغر منها ــ بل وحتى أبناء حيّها أحيانا. وفي هذا الإطار يمثل الحجاب ــ بالنسبة للصغيرات ــ وسيلة ناجعة ورمزا للخضوع والاستسلام وطبعا لكبح ولجم قدرات الطفلة الصغيرة التي تلزم نفسها بالتقيد ببعض القيود (عدم الغناء، عدم الرقص، الامتناع عن بعض الألعاب، عدم الضحك كثيرا خاصة مع الأطفال الذكور...) حتى تبدو منسجمة مع حجابها، تفقد هذه الصغيرة براءتها باكرا، وتغتصب في طفولتها. وإذا كانت المادة 19 من اتفاقية حقول الطفل تنص على أن: "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال..." (المادة 19، الفصل 1). أفلا يعتبر حجاب الصغيرات ــ بما بينته أعلاه ــ شكلا من أشكال العنف والضرر وإساءة بدنية، وسوء معاملة...؟ بل ألا نقول أنه حجاب للعقل أي إساءة عقلية؟ أفلم يحن الوقت لكي يتم النظر إلى هذا الأمر بجدية أكبر؟
لقد ذهب الأمر بأحدهم إلى أن أفتى أنه في حالة وجود قانون يرغم الفتاة على خلع الحجاب في المدرسة بأن: "الدراسة التي تترتب عليها معصية فإنها لا تجوز، بل عليها دراسة ما تحتاج إليه في دينها ودنياها، وهذا يكفي ويمكنها ذلك في البيت غالبا" (جريدة التجديد 23 دجنبر العدد 822). فهل هناك إساءة عقلية أكبر من هذه، يتضح فعلا بأن حجاب الصغيرات يلعب دورا كبيرا في تثبيت كثير من المقولات الاجتماعية البالية لدى هؤلاء الصغيرات، لدرجة أن تلغى من أجله الدراسة، بل الحياة كلها. نعم الحياة كلها، فهل ننسى تلك المأساة التي عرفتها السعودية في شهر مارس 2002 حين اشتعلت النيران بإحدى مدارس البنات، ولأنه طبيعي أن تهرول البنات في اتجاه أبواب المؤسسة هلعا وهربا، لكنها أغلقت أمامهن، لماذا؟ لأنهن غفلن عن غطاء رأسهن، فماذا كانت النتيجة؟ موت 14 تلميذة.
مأساة كهذه لم تحرك ساكنا ولم تزعزع قاطنا لأولئك الذين يقيمون الدنيا ولا يقعدوها من أجل قرار الرئيس الفرنسي بمنع الحجاب بالمدارس.. أولئك الذين تنتفخ أوداجهم في حديثهم وكلامهم عن الحجاب، ولكنهم لا يعيرون بالاً لأوضاع المرأة الضعيفة، أو الجائعة أو التي لا يوجد في قاموس أبيها وأخيها أو زوجها معا إلا لغة الضرب والركل والرفس. أليس هذا من ضحك الأقدار بل ومن قهقهتها؟
ولا نستغرب كثيرا لهؤلاء فإن شيخهم ابن باز كتب كتابا سماه: "التبرج وخطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله" يبتدئ قوله فيه: "أما بعد، فلا يخفى عن كل من له معرفة ما عمت به البلوى في كثير من البلدان من تبرج الكثير من النساء وسفورهن وعدم تحجبهن من الرجال، وإبداء الكثير من زينتهن التي حرم الله عليهن إبداءها، ولا شك أن ذلك من المنكرات العظيمة والمعاصي الظاهرة، ومن أعظم أسباب حلول العقوبات ونزول النقمات لما يترتب على التبرج والسفور من ظهور الفواحش وارتكاب الجرائم وقلة الحياء وعموم الفساد. فاتقوا الله أيها المسلمون، وخذوا على أيدي سفهائكم، وامنعوا نساءكم مما حرم الله عليهن، وألزموهن التحجب والتستر، واحذروا غضب الله سبحانه، وعظيم عقوبته" (مكتبة السنة، القاهرة، 1987، ص. 3). أهذه مقدمة كتاب أم بيان حرب وإعلان قتال، وقد كان، وسقطت الضحايا فعلا.
أتساءل كيف ستتم حماية الطفلة الصغيرة من مثل هذه الأفكار السوداء التي يفرضها عليها الأب أو المعلم أو الأستاذ (المحسوبون على الأصولية الدينية) والتي تصل عند بعضهم إلى مساومة التلميذات على النقط، فيصير حجابهن لازما للحصول على نقط جيدة، أما رفضهن فسينقلب عليهن وبالاً.
تعرّف اتفاقية حقوق الطفل أن "الطفل" هو: "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه" (المادة 1). وبالتالي فالطفل (خاصة في مرحلة الابتدائي والإعدادي) ليس ناضجا بما يكفي للحكم على أشياء كثيرة، وإن أي أمر يتعلق بمسألة اختيار لا يمكن أن يتم إلا إذا كان الإنسان يملك القدرة على التمييز وتقييم الأشياء. ولأننا لا نريد في عالمنا اليوم براءة موءودة ولا طفولة مغتصبة، وجب علينا رفع الحيف والظلم على كثير من البنات الصغيرات اللواتي تستجبن لرغبات وإكراهات آبائهن أو مدرسيهن ولسان حالهن يردد:
لا تحسبوا رقصي كان من طرب               إن الطير يرقص مذبوحا من الألم
لذا أطالب الوزارة الوصية بإصدار قرار يمنع ارتداء الحجاب في المدارس الابتدائية والإعدادية، للأسباب التي ذكرتها في هذا المقال، وأرجو أن يؤخذ هذا الطلب بالجدية اللازمة. ولعلها تكون خطوة جادة في سبيل وطريق التصحيح. إننا نغني من أجل مغرب الحداثة، من أجل مغرب مشرق ينظر إلى الأمام ولا يلتفت وراءه، هذا المغرب لا يمكن بناؤه إلا إذا ساهم فيه الجميع ذكورا وإناثا بدون عوائق أو قيود.

* نشر هذا المقال بجريدة الأحداث المغربية يوم الجمعة 23 يناير 2004.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق