الزمزمي، النهاري، الفزازي:
"سوق" الفتوى والدعوة، والتهافت على
حطام الدنيا (1/4)
عبد الواحد بنعضرا
يحفظ الكثيرون عن ظهر قلب حديث: "إنما الأعمال
بالنيات ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله
ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر
إليه" (البخاري، الحديث 54، وطرفه في الحديث 1 وغيرهما). من هذا المنطلق كان
الأحرى بالفقهاء والدعاة أن يكونوا قدوة لغيرهم في الزهد في حُطام الدنيا،
والمسارعة إلى فعل الخيرات، بيد أننا لاحظنا أنّ بعضهم أحرص الناس على "حياة".
وسنكتفي في هذا المقال بثلاثة نماذج: الزمزمي، النهاري، الفزازي.
1ــ عبد الباري الزمزمي:
داعية لحزب العدالة والتنمية، سابقا، ومهموم بالبحث عن
موارد العيش حاليا. كيف ذلك؟ جاء في أحد حواراته: "لم يسبق لي أن انتميت إلى
أي حزب، فرغم أنني كنت أساند حزب العدالة والتنمية في بعض مواقفه، فإنني لم أكن
منخرطا في أي حزب، إلى أن جاءت الحملة الانتخابية لسنة 2007 فعرض علي حزب النهضة
والفضيلة الانضمام إليه، فدخلت اضطرارا، وكان الأمر يتعلق ببطاقة المرور من أجل
المشاركة في الحملة الانتخابية" (الزمزمي، حوار مع صحيفة الناس، العدد 23، الاثنين
4 نونبر 2013). لماذا دخل الزمزمي مضطرا؟ ببساطة، كان الزمزمي حريصا على الوصول
إلى البرلمان. ربما بغية تحسين موارد عيشه. على الأقل هذا ما نستشفه من طلبه
الحصول على مأذونية؛ بعد أن فاته النجاح في الوصول مرة ثانية لقبة البرلمان: فقد
برّر طلبه ذاك عند ردّه على المنتقدين بقوله: "المنتقدون لهذا العطاء لم
يسألوا من قبل كيف أعيش؟ هل لدي مشاكل وأزمات مالية وظروف ضيقة وحرجة؟ لا أحد
سألني هذا السؤال..." (الزمزمي، حوار مع جريدة أخبار اليوم، العدد 693،
الاثنين 5 مارس 2012). ولماذا يسألونك؟ أنت اخترت أن تكون داعية فتحمّل مسؤوليتك.
تُرى هل تلك الفتاوى الغريبة عن الاستمناء بالجزر ومضاجعة الأموات تدخل في باب
إثارة الانتباه إليك بأنك مازلت حياً وعلى الآخرين التكفل برزقك؟ ألم تجد غير هذه
الطريقة؟
لا يتواني
الزمزمي في تبرير "إسهال" الفتاوي الذي يعاني منه؛ مبرزا على أن:
"المفتي من الواجب أن يجيب السائل على تساؤله (...) أن يجيب مهما كان
السؤال" (الزمزمي، حوار مع جريدة الأحداث المغربية، العدد 5589، الاثنين 11
ماي 2015). من هذا المنطلق فالزمزمي لا
يتردّد في الإجابة عن كل الأسئلة عبر هاتفه / خطّه التلفوني "الساخن"؛
موضّحا: "إن معظم الفتاوى التي تصلني تكون عبارة عن اتصالات هاتفية، وهاتفي
يكاد لا يتوقف عن الرّنين طوال اليوم، منذ الصباح إلى المساء، فهل أجيب أم أصمت؟
أنا أعتبر أن مسؤوليتي تجاه الدين تقتضي مني الإجابة عن كل التساؤلات التي تصلني.
أجتهد وأقدّم فيها الإجابة استنادا إلى الشريعة الإسلامية" (الزمزمي، صحيفة
الناس، العدد 23). بالله عليك، هل تعي ما تقول؟ لا ينقصك إلا وصلات إشهارية في
القنوات المعلومة، وتستوفي الأمر من جميع جوانبه.
يا رجل، ألم تقرأ عن السلف وتهيُّبه من الفتوى؟ فقد ذكر أستاذكم
القرضاوي أمثلة على ذلك قائلا: "وكان بعضهم يتوقف عن الفتوى فلا يجيب ويحيل
إلى غيره، أو يقول: لا أدري. قال عتبة بن مسلم: صحبت ابن عمر أربعة وثلاثين شهرا،
فكان كثيرا ما يُسأل فيقول: لا أدري ! (...) وقال عمر بن الخطاب: أجرؤكم على الفُتيا أجرؤكم على النار.
وقال ابن مسعود: والله إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون"
(القرضاوي، الفتوى بين الانضباط والتسيب، 1992، ص. 21 – 22).
وبالعودة إلى سبب لجوئه لطلب المأذونية برّر الزمزمي ذلك
بقوله: "لم أكن أتقاضى شيئا عن عملي باستثناء راتب تافه من وزارة الأوقاف لا
يتجاوز ألف درهم، وهو لا يسمن ولا يغني من جوع". وعندما سأله مستجوبه: قلت أنك لجأت إلى طلب
"لاكريمة" من الملك لعدم توفرك على راتب قار، ألم يكن راتب المعاش من
البرلمان يكفي؟ أجاب الزمزمي قائلا: "راتب المعاش بالبرلمان بالنسبة إلى من
ترشح لدورة واحدة هو 5 آلاف درهم، أي ألف درهم عن كل سنة من مدة الولاية، لكن
الولاية الأخيرة كانت معوقة أي لم تتجاوز مدته 4 سنوات أي 4 آلاف درهم تقتطع منها
600 درهم. فماذا ستكفي 3400 درهم لأسرة مثل أسرتي التي تتكون من 6 أنفس؟ إنها لا
تغطي حتى 20 في المائة من حاجياتها اليومية. لذلك اضطررت إلى طلب هذا المطلب من
الملك؟" (الزمزمي، صحيفة الناس).
نوّر الله بصيرتك يا شيخ، وزادك من فضله... لم نكن ندري
أن الدنيا تفعل في الناس الأفاعيل ! ففيم، إذن، مطرقة الناس في مواعظكم بالحديث عن الآخرة، وعن ضرورة
الزهد في الدنيا، وأن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وأنها متاع زائل وأن
الآخرة خير وأبقى، محاولين إلهاءهم عمّا يقُضّ مضاجعهم من مشاكل لا تعد ولا تحصى.
وها أنتم منغمسون في هذه الحياة الدنيا وفي مشاكلها، بل الأسوء والأنكى أنكم سخّرتم
الدين (الفتاوى)، من جهة، والسياسة (البرلمان)، من جهة أخرى في أغراض شخصية بحثة
كيما تحصلوا على رزق / حطام من الدنيا زائل، وبئس العمل هو ! ولا يفوتني أن أذكّرك أن
كثيرا من الذين تعظونهم بالانصراف عن الدنيا إلى الآخرة يكدّ طول النهار، وقد لا
يحصل على ما تحصل عليه من معاش البرلمان، مع العلم أن هذا المعاش لا معنى له،
فالمسؤولية البرلمانية ليست وظيفة لكي يكون للبرلمانيين تقاعد.
الزمزمي، النهاري، الفزازي:
نجوم "سوق" الفتوى والدعوة، والتهافت
على حطام الدنيا (2/4)
عبد الواحد بنعضرا
2ــ عبد الله النهاري:
داعية آخر لحزب العدالة والتنمية، يسخّره الحزب كما يسخر
غيره، للدعاية السياسية له تحت غطاء الدين؛ فهو عضو في حركة التوحيد والإصلاح،
الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية. في حوار له سأله مستجوبه: بحكم انتمائك إلى
التوحيد والإصلاح هناك من يقول بأنك تستغل موقعك لدعم الحكومة الحالية؟ أجاب
النهاري قائلا: "هذه الهيئات وسائل فقط ينتمي إليها الإنسان ليتعاون على
الخير، ومن جملة الأهداف المسطرة في أوراقها التعاون مع الغير لخدمة هذا البلد،
وليس دعم الحكومة بالمنطق البسيط الذي يعبّر عنه البعض أيضا" (عبد الله
النهاري، حوار مع جريدة أخبار اليوم، العدد 1039، الأربعاء 17 أبريل 2013).
قلتَ كلمة كبيرة: خدمة هذا البلد ! شيء جميل، ولكن دعني أتساءل:
هل يدخل في خدمة البلد عدم أدائك واجبك المهني، بل والتملص من مهنة التدريس؟ نقرأ
للنهاري في حوار آخر: "لم أستقل من التعليم بسبب الإهمال من الناحية المادية،
وإنما المسألة إيمانية وأخلاقية، حيث كنت أرى إنني لا أقوم بالواجب كما يحب الله
ورسوله، فكنت أتمنى أن يخلصني الله من هذا العمل، وكنت أخشى أن تنالني دعوة
مظلوم" (عبد الله النهاري، حوار مع جريدة أخبار اليوم، العدد 469، الاثنين 13
يونيو 2011).
الله أكبر ! أيّ خُلق ذاك، وأي ضمير ! كفيتَ ووفّيت. قلتَ أنك تخاف دعوة مظلوم،
وأتساءل ألم تخْشَ دعوة "مظلوم" عندما شمت بسخرية في ضحايا بوركون في
رمضان / يوليوز من السنة الماضية؟ قبل أن تعود لتلتف على كلامك موهما أنه قد وقع
سوء فهم، حيث جاء في كلامك: "بالنسبة إليّ لا أعتبر ذلك خطأ، لكن إذا استشعر
أحد الضحايا وعائلاتهم وعموم الشعب المغربي صاحب الفطرة النقية أني أخطأت،
فليعذروا هذا العبد الضعيف" (النهاري، حوار مع جريدة أخبار اليوم، العدد
1424، الأربعاء 16 يوليوز 2014).
وتذكر حينها بما وصفك الزمزمي؛ نقرأ: "أكّد الشيخ
عبد الباري الزمزمي أن خرجة النهاري لا يرددها العقلاء، مؤكدا أن النهاري يردّد
كلام المعتوهين والمجانين ولا يجب الالتفات إليه (...) فكلام النهاري أشبه ما يكون
بالتشفي، والحياة كلها مصائب وبؤس، يقول الزمزمي (...) مشيرا إلى أن الأخير [أي
النهاري] ليس له علم أصلا وليس معدودا من العلماء، بل ترامى على عمل الدعاة
والفقهاء، يضيف الزمزمي" (نقلا عن جريدة الأخبار، العدد 516، الخميس 17
يوليوز 2014).
وكلام الزمزمي الأخير هو مربط الفرس ! لماذا تحّول النهاري إلى
داعية؟ لا يحتاج الجواب بذل مجهود كبير، يكفي أن نعرف ما كان يجمعه من حطام الدنيا
في رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي كان يسبّها ذات يوم، وأوربا وما
يجمعه هنا وهناك في شتى المناسبات مما يجود به "المؤمنون"، يطهّرون منه
أموالهم ومشاريعهم ويبيّضون بها صفحتهم مع الله، فضلا عن الدور الدعائي لفائدة حزب
العدالة والتنمية، ولا يغيب عن ذكاء القارئ أن ما يبدو ظاهريا نقداً للمسؤولين
والحاكمين من قِبل النهاري ما هو، بالمقابل، إلا تبييض لصفحة حزب العدالة والتنمية
سواء عندما كانوا في "المعارضة" أو عندما باتوا في الحكومة يواجهون
"التماسيح والعفاريت" !
لقد واصل النهاري دأبه في عدم القيام بواجبه في عمله
الجديد بعد أن غادر التعليم، حتى وصفه البعض بموظف شبح، في هذا الإطار ردّ النهاري
قائلا: "هذا كلام لا أساس له من الصحة، أنا أحضر بمقر عملي باستمرار (...)
وأريد أن أقول بأني أستقبل في عملي العشرات من المواطنين الذين يقصدونني للاستفسار
عن بعض الأمور التي تخص شؤونهم الدينية أو الدنيوية، وهذا يدحض كل الادعاءات بكوني
موظف شبح بهذه الإدارة، التي تحملت فيها مسؤولية رئيس مصلحة الشؤون الاقتصادية
بحكم تكويني الذي نلتُ فيه الإجازة في الاقتصاد، وأيضا مسؤولية رئيس مصلحة
التوثيق" (النهاري، أخبار اليوم، العدد 1039). أتساءل لو فعل كل واحد مثلك وحوّل
مقر عمله إلى مجال للدعاية السياسية، أين سيصل الأمر: ألن تتعطل مصالح الناس؟ والأخطر
من ذلك استغلالك لوظيفتك ومسؤوليتك للدعوة، ألا يعدّ قياما بحملات انتخابية سابقة
لأوانها، بما أنك تقوم بالدعاية في كل وقت، لفائدة حزبك؛ حزب العدالة والتنمية؟
فوق هذا وذاك أنت مجاز في الاقتصاد مالك وللدعوة؟
ولنتصور كل صاحب اختصاص تحول عن اختصاصه لممارسة الدعوة ماذا سيقع؟ إهدار للطاقات
وما أُنفق على سنوات التحصيل الدراسي. ولكن أمثال النهاري لا يحفلون بذلك، فهو
مُيسّر للعب دورٍ محدّد. وها هو النهاري بكل جرأة أعلن عن رغبته في أن يتم تفريغه
للدعوة: "أما الخرجات التي قمتُ بها، فإنما استجبت فيها لطلبات بعض الجمعيات
المتواجدة في أوروبا، التي ينتمي إليها المسلمون من كل دول العالم، فأستجيب حسب
الحاجة، وحسب ما تيسره الظروف لأنني موظف. فلو أنّني مُكّنت من إلحاقي من العمل
الدعوي لكنت رهن إشارة كل المسلمين في كل العالم، حيث تأتيني يوميا دعوات من دول
عديدة... فلو كنت ملحقا أو متفرغا، مثلما يحصل مع النقابيين، لخدمت ديني بطريقة
أفضل" (النهاري، أخبار اليوم، العدد 469).
يا رجل ومن يكره العيش في راحة وعطالة ويتقاضى أموالا
ويصير نجما، حسبه من ذلك الإتيان ببعض حركات وبعضٍ من صراخ ونطّ؟ ولكن أي صلافة
هذه، ألك بسْطَة في العلم والجسم لم يؤتَها غيرك؟ أم تراك لك دالّة على الحكومة
فتلبّي لك رغبتك دونا عن الآخرين؟ من أين أتتك كل هذه الثقة فتعلن رغبتك على
الملأ، إلا إذا كنت قد استندت في ذلك على سوابق، في هذه الحكومة، وهذا نقاش
آخر !
الزمزمي، النهاري، الفزازي:
نجوم "سوق" الفتوى والدعوة، والتهافت
على حطام الدنيا (3/4)
عبد الواحد بنعضرا
3ـ محمد الفزازي:
آخر النماذج التي أتناولها في هذا المقال، هو رجل كان
لوقت قريب يكفّر الديمقراطية؛ إذ اعتبر في أحد كتبه أن: "أعتى وأخطر مذاهب
الكفر الأكبر في الزمن الحاضر: الديمقراطية، صنم العالم الجديد" (محمد
الفزازي، الشورى المفترى عليها والديمقراطية، 1997، ص. 62). كما كان يكفّر كل ما
يرتبط بها من عملية انتخابية وأحزاب؛ إذ أن: "الكفر هو الفكر المشترك بين هذه
الأحزاب، وهو وقود المعترك فيما بينها، وهي تتنافس فيه وتتسابق به وعليه؛ منشرحة
به صدورها، فرحة بما لديها" (محمد الفزازي، نفسه، ص. 30). ولأن الديمقراطية
كذلك، ــ فحسب الفزازي ــ : "يجب أن
يُقاومها المسلمون أشدّ ما تكون المقاومة" (محمد الفزازي، نفسه، ص. 178 -
179).
هذا كان حال الفزازي بالأمس، أما اليوم فقد صار يسبّح
بحمدها، ويرى فيها من المحاسن ما كان غائبا أو مغيّبا عنه في الماضي، حتى أنه شارك
في استفتاء 2011، وبات يفكّر في تأسيس حزب، أو الانخراط في حزب العدالة والتنمية،
حيث قال في أحد حواراته: "يمكن أن أنضم إلى صفوف حزب العدالة والتنمية إذا
قَبِل بي، لأنني أجده الأقرب إلى قناعاتي، كما لا أختلف معه في توجهاته"
(الفزازي، حوار مع جريدة أخبار اليوم، العدد 503، الجمعة 22 يوليوز 2011). هذا رغم
أنه في محطة أخرى، جوابا عن سؤال لمجلة جون أفريك: هل عرضت عليكم بعض الأحزاب
الانضمام إلى صفوفها؟ قال الفزازي: "أجل حزب العدالة والتنمية، وحزب النهضة
والفضيلة، ولكنني لم أنخرط في أي من الحزبين حتى أحافظ على المسافة نفسها من جميع
الأطراف" (الفزازي، حوار مع مجلة جون أفريك، نشرت ترجمته في جريدة أخبار
اليوم، العدد 1343، السبت – الأحد 12 – 13 أبريل 2014). ولا ندري أي كلام الرجل أقرب
للصواب !
القيام بالمراجعة شيء جميل، وهو فعلا كما قلتَ عمل
محمود، وعندما يقوم به المرء فهو دليل على أنه أحس بخطأه: "كل من له أداء
فكري أو منتوج علمي فهو مطالب بمراجعته وبالتراجع عنه إذا ما ظهر أنه كان خطأ،
وبذلك، عندما يعلن المرء عن أخطائه، فإنه يتبرأ منها ويُعْلِم الناس أنه قد تراجع
عن كذا أو كذا" (محمد الفزازي، حوار مع جريدة المساء، ح. 15، العدد 1501،
الأربعاء 20 يوليوز 2011).
هذا لو تعلّق الأمر بشيء غير ما كنتم تدْعون إليه، إذ أن
الرجوع عن الدعوة إلى الجهاد وتكفير الناس والدولة والأحزاب... لا يمرّ كما تمر
فكرة بسيطة أو نظرية علمية، فقد تمرّ هذه دون أن يلقي لها أحد باله... أمّا تلك، فإنها
تخلّف وراءها ضحايا، أولئك الذين صدّقوكم ذات يوم فكفروا بكل شيء، فمنهم من نحر
و/أو انتحر، ومنهم من غادر إلى أفغانستان، في السابق وغيرها من المناطق حاليا،
ومنهم من انقطع عن دراسته، بل ومنهم من ترك عمله، رغبة في الجهاد، ومنهم من خاصم
أهله ورماهم بالكفر وصبّ عليهم اللعنات، ومنهم من خاصم الدنيا وعاش نابذا منبوذا،
غريبا عن نفسه متنكّرا لواقعه مستلبا لزمن غير الزمن هيئة وفكراً، مَظهراً
ومَخبراً... إنها أجيال ضاعت وضيّعها خطاب كخطابكم، والثمن باهظ جداً.
هذا فضلا عمّن اكتوى بنار هؤلاء فسقط قتيلا أو جريحا في
العمليات الإرهابية.. وما عاناه أهل الضحايا من جرح نفسي، في هذا الصدد صرّحت سعاد
البكدوري الخمال أرملة عبد الواحد الخمال وأم الطيب الخمال الذين سقطا ضحية
تفجيرات 16 ماي 2003: "أن الحديث عن المصالحة وطي الملف، يجب ألا ينسيانا
المأساة الإنسانية التي يعيش ويتخبط فيها العديد من ذوي ضحايا الإحداث الإرهابية
الأليمة، والذين تتجدد معاناتهم وآلامهم باستمرار بسبب فقدان ذويهم الذين هم شهداء
هذا البلد" (نقلا عن جريدة الأحداث المغربية، العدد 5285، السبت – الأحد 17 –
18 ماي 2014).
إنكم كنتم ترفعون عقيرتكم بتكفير كل شيء، وتخط يدكم
تحريضا على من خالفوكم الرأي، وكنتم تصورون المغرب كماخور كبير، وهذا بعضٌ مما
سودتم في الماضي فوق صفحات كتابكم النذير: "أليس الزنا الآن حلالاً طيبا
ديمقراطيا في الفنادق، ومقدماته في الأزقة، وتكاد الفاحشة تمارس على قارعة الطريق
لا فرق في ذلك بين محصن وغير محصن؟ كيف نسمي سلطات تحكم بكل شيء إلا بالإسلام؟ فلا
رجم ولا جلد ولا تعزيز" (الفزازي، النذير: قراءة إسلامية لما سمي بمشروع خطة
العمل الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، ط. الأولى، 2000، ص. 8 – 9). ولعل من
يقرأ كلامك هذا يحسب أنك كنت متبتلا منقطعا للعبادة، لا ترى فتاة ولا تأتي
"الفاحشة" ! وأحسب أنك أكثر الناس معرفة أنه لو طُبّق الجلد
والرجم، لكنت أكبر الخاسرين، ومع ذلك كنت تتباكي على عدم تطبيق الحدود !
ثم تناولت الخمر وغيرها، قائلا: "الخمر مثلا، هل
ينازع في تحريمها مسلم؟ حتى الزنادقة لا يمارون فيها، إلا جدلا، ومع ذلك ها هي ذي
تعصر وتسوّق وتمنح الرخص وفق القانون لكل من أراد فتح خمارة أو حانة لشربها في
اطمئنان (...) والتبرج؟ بل والعري؟ ولا سيما صيفا في الشواطئ ــ رجالا ونساء ــ محارم
وغير محارم، صغارا وكبارا من غير إنكار ولا نكير (...) ولا أريد الحديث عن
الموسيقى والرقص والمسرح والسينما والرياضة، وهي مفارخ للفسق والمعصية، إنها قنوات
يتسع فيها المجال للطعن في الدين بمناسبة وبغير مناسبة" (الفزازي، النذير، ص.
9 – 10).
بالنسبة للخمر، أحسب أنه يدخل في إطار مراجعتك؛ ففي معرض
جواب عن سؤال: عدم تضمن البرنامج الحكومي لما يمنع مجموعة من الممارسات المحرمة
شرعا من قبيل الربا وبيع الخمور والقمار؟ أجاب الفزازي: "من يدعو إلى ذلك
يريد الفتنة بالأمة، وأنا أظن أن مهام العدالة والتنمية في الفترة الراهنة أكبر من
كل ذلك، فالشعب لم يصوت عليه ليمنع الخمور مثلا، لأن الجميع يعرف بحرمة الخمر،
وبالتالي فعلى كل واحد أن يقوم بالرقابة الذاتية على هذا المستوى لأن العدالة
والتنمية لم يتم التصويت عليه ليلعب دور عمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق"
(الفزازي، حوار مع جريدة أخبار اليوم، العدد 658، الثلاثاء 24 يناير 2012). أتساءل
تُرى هذا الجواب نابع من اقتناع وواقعية، أم لأن الحزب الذي يرأس الحكومة هو حزب
العدالة والتنمية؟ من المفيد فعلا أن نرى أن الفزازي صار يفهم أن السياسة هي تدبير
الشأن العام لا مجالا لنشر الدعوة، وهذه خطوة تجعل الفزازي مدافعا عن العلمانية،
وهل العلمانية شيء آخر غير هذا الفصل؟ ! ولكن ما هو خطير في الأمر هو أن الفزازي كان يدعو في السابق لمنع الخمر
كما رأينا أعلاه، بمعنى آخر فقد كان يثير الفتنة، وهو يعلم جزاء من أيقظ
الفتنة !
أتساءل أي أزمة ضمير كنتَ تتركُها لدى المتلقي ولدى
مريديك، وأنت تجعلهم يحسون بعقدة الذنب كأنهم المسؤولون عمّا وصفت من صور
"الانحلال" وأن العقاب لا بد واقعٌ بهم، وهم يصدّقونك، فأنت عندهم الصادق الأمين، الطاهر مظهرا
ومخبرا؟ قبل أن يقوم أخوك؛ المقصود أحمد الفزازي، بخرجة في حوار مع أسبوعية الأيام،
فذكر ما كنتَ عليه من انغماس في الموسيقى والغناء وحياة "الصعلكة" سواء
في صغرك أو حتى بعد تعيينك كمعلم نواحي صفرو ورغم زواجك الأول فإنك واصلتَ حياة
المجون، وبعبارة أخرى؛ كما ذكر أخوك أحمد: "أقول صراحة أن حياة أخي في تلك
الفترة كانت حياة فسق ومجون وصعلكة إلى أن انتقل إلى المحمدية (شمال الدار
البيضاء) أواسط السبعينيات فتم استقطابه من طرف جماعة متطرفة أظن أنها كانت تنتمي
إلى مسجد النور بالدار البيضاء" (أحمد الفزازي، حوار مع أسبوعية الأيام،
العدد 143، 15 – 21 يوليوز 2004).
قام محمد الفزازي بالردّ على أخيه، من خلال رسالة نشرتها
"الأيام" لاحقا، فكان مما دافع به عن نفسه: "أما عن المجون والفسوق
والفجور و... إلخ.. فالتوبة تجبّ ما قبلها، والإسلام يجبّ ما قبله، وأنا شخصيا
كنتُ أحكي أحيانا بعض الوقائع الساقطة من سيرتي الذاتية خلال دعوتي إلى الله، طلبا
للعبرة" (الفزازي، أسبوعية الأيام، العدد 149، 16 – 22 شتنبر 2004). لا أدري
إن كان محمد الفزازي قد قام، فعلا في الماضي، بتوظيف بعض الحكايات من
"سقطاته" من أجل الموعظة، ومتى؟ أم أن الأمر مجرّد استدراك بعد أن افتضح
الأمر؟ غير أن أخاه أحمد قد وضعه بين أمرين أحلاهما مرّ؛ وهو الذي يدّعي أنه وقّاف
عند النصوص، فإما أن يسكت ولا يرد وبالتالي صار في مرتبة "المنافق" إذ
يقول ما لا يفعل، ويفعل ما لا يقول، أو أن يكشف المخبوء وفي هذه الحال فهو يجاهر
بما ستره الله، انطلاقا مما رواه البخاري عن أبي هريرة: "سمعت رسول الله (ص)
يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجَانة أن يعمل الرجل بالليل عملا،
ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول، يا فلان، عملتُ البارحة كذا وكذا، وقد بات
يستره ربُّه، ويصبح يكشف ستر الله عنه" (البخاري، الحديث 6069).
الزمزمي، النهاري، الفزازي:
نجوم "سوق" الفتوى والدعوة، والتهافت
على حطام الدنيا (4/4)
عبد الواحد بنعضرا
لقد أصبح الفزازي، اليوم، يحكي عن حياته السابقة بكل
تفاصيلها، دون أن ينتبه إلى أنه يزيل عن نفسه صورة القدوة عند الشباب الذين
يدعوهم، ويجعل خطابه متهافتا. ففيم الموعظة، إذن، ألا يترك لهم هم أيضا فرصة العيش
كما يحلو لهم، ولعل الله يمنّ عليهم ب "التوبة" كما يفهمها الفزازي، أم
أنه حلال عليكم حرام على العالمين ! فممّا ذكره: "كنتُ بعيدا عن الدين، إذ كنت
مهتما بالسينما وشغوفا بالموسيقى العربية، وكان من بين النجوم المفضلين لدي هم: أم
كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم واسمهان وفيروز، ومن المغاربة عبد الهادي بلخياط
و[عبد الوهاب] الدكالي، وكنت أحب الغناء وكتابة القصائد الشعرية وكنت أحب الرسم،
إذ كنت أرسم العديد من البورتريهات والمناظر الطبيعية" (محمد الفزازي، حوار
مع جون أفريك). وماذا عن الفتيات؟ يقول الفزازي: "مثل سائر الشباب كنت أهتم
بالفتيات، ولكنني كنت أتمتع ببعض المميزات من بينها الوسامة والذوق في استماع
الأغاني وروح الدعابة" (محمد الفزازي، نفس الحوار). فكيف هان عليك أن تغرف
وتعبّ من الحياة في ميْعة الصّبا وعنفوان الشباب؛ ثم تكفّر كل شيء في خطابك وتحرّم
العلاقات وتتباكى أسفا على انتشار الزنا، وتحرّم الموسيقى والغناء...؟ أم أنك لا
تريد أن يفوز باللذات غيرك؟
أما عن أخيه، فقد أمعن الفزازي في تكفير أخيه في رسالته
تلك، مبّررا قيام والده بتوزيع تركته على إخوته في حياته؛ حيث ذكر في تلك الرسالة:
"أبي قرّر في السنوات الأخيرة تقسيم تركته على ورثته حسب الشريعة الإسلامية
تقسيما في شكل هِبة مسجلة ومحفّظة، وذلك بعد أن بلغ الثمانين تقريبا ودرءا لما
يمكن أن ينشب من مشاجرات بين أبنائه من بعده. والأهم من هذا كله ألاّ يرث منه ولده
أحمد هذا درهما واحدا، لأن ديننا يمنع التوارث بين ملتين. وهكذا قسمت التركة ولم
يعط أخي إلا أصبع الوسطى. (معذرة للقراء الكرام)" (الفزازي، أسبوعية الأيام،
العدد 149).
لن نتوقف كثيرا عند آخر كلام الفزازي فهو لا يليق
بداعية، ولكن أتساءل هل يحق لأي كان أن يكفّر من كان، أوليس الفزازي نفسه هو
القائل: "أنا ضد التكفير الذي يقوم به الأشخاص، لأن تكفير أي شخص هو من مهام
المؤسسات الدينية في البلد، وخاصة المجلس الأعلى للعلماء والذي يترأسه الملك
باعتباره أميرا للمؤمنين" (الفزازي، حوار مع مجلة جون أفريك). فبأي حق حُرم
الأخ من نصيبه؟ وهل ستكون من باب المراجعة، إعطاء الأخ نصبيه أيضا، أم أنه عندما
تكون المصلحة الشخصية والتهافت على حطام الدنيا، يتوقف الحديث عن النص إذا كان
ظاهره يوحي بعكسها؟
يبدو أن الأمر كذلك، فكثير من الدعاة، يضعون
"النص" جانبا إذا تعلّق الأمر، بتعطيل لمصالحهم الشخصية، فهذا الفزازي
الذي تصدى للخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، قد ذكر حينها أن المرأة غير
مسؤولة عن الإنفاق فهذه مهمة الرجل الأولى فهو البعل ولا فخر وهو القوّام بما أنفق
ولا ضرر، أوضح الفزازي: "إن الإنفاق واجب على الرجل في حق المرأة نفسها ولو
كانت غنية" (محمد الفزازي، النذير، ص. 65). ولكن تعالوا ننظر إلى الفزازي،
كيف ينسى هذا الأمر؛ وقد كثر عياله ومصاريفه، نقرأ له متحدثا عن مصادر إنفاقه:
"من راتبي كإمام، إضافة إلى تقاعدي كمدرس، والذي لا يتجاوز 3000 درهم. لحسن
الحظ أن هناك التجارة ولعل الكثيرين لا يعلمون أنني كنت تاجرا كبيرا لزيت الزيتون،
كما أنني أصبحت أشتغل في العقارات، كما أن زوجاتي من لهن راتبهن الشهري، ووالدي
رجل غني ويساعدني إذا دعت الضرورة إلى ذلك" (محمد الفزازي، حوار مع جون
أفريك).
نعم ! راتب زوجاته، الآن صار بإمكان المرأة أن تنفق ! ولكن ما قصة التجارة،
والعقارات؟ يا رجل أهي دعوة أم تهافت على حطام الدنيا؟ أمّا أنك تاجر كبير؛ فهذا
مما لا شك فيه، تاجرتَ في الماضي وتفعل أيضا اليوم؟ السؤال لفائدة من كانت تجارتك
بالأمس ولمن اليوم؟ أتساءلُ هل هناك مفاجآت أخرى؟ فإني فعلا رأيت في كل هذا التاجر
والمقبل على الدنيا العاض عليها بالنواجذ وما رأيت الداعية !
من مظاهر هذا التكالب والتهافت كثرة الزيجات، ونفهم
لماذا جنّ جنونك، إبان الخطة، إذ لم يمرّ إلا قليل على زواجك الثاني ــ سنة 1998
ــ حتى رأيت البعض يدعو إلى منع التعدد فاستشطت غضبا وأرغيت وأزبدت؛ مؤكّدا:
"طبعا، أنا هنا لست بصدد طرح فوائد تعدد الزوجات، ولا حتى المضار الجسيمة على
كثير من النساء لو منع هذا التعدد (...) لنفترض أنكِ إحدى العوانس، وما أكثرهن
(...) أتراكِ ترفضين زوجا ولو كان له ثلاث نسوة أخريات، على أن تبقي بدون بَعْل
طيلة عمرك؟" (محمد الفزازي، النذير، ص. 47).
يحكي الفزازي عن زواجه الثالث: "وفي سنة 2012 وبعد
خروجي من السجن تزوجت للمرة الثالثة بامرأة فلسطينية عمرها 34 سنة، التقيتها في
القاهرة، وهي صحافية، وكانت تشتغل كمخرجة تلفزيون، وأنجبت منها طفلتين، وفي
المجموع عائلتي تتكون من ثلاث زوجات و14 ابنا ولدي تسعة أحفاد" (محمد
الفزازي، حوار مع جون أفريك).
وعن سؤال: هل زوجاتك الثلاث يعشن في البيت نفسه؟ أجاب
الفزازي: "كل واحدة تعيش في بيت خاص بها وفي حي مختلف، أنا أعمل بمقولة فرّق
تسد" (محمد الفزازي، نفس الحوار). ألا فلتعلم أن كثيرا من "المسلمين"
غير قادر على زيجة واحدة، بله ثلاثة، فما بالك أن يوفر لكل امرأة منزلا خاصا
بها !
هؤلاء الذين تظلون كل يوم تزهّدونهم في الحياة الدنيا وفي متاعها الزائل...
يا رجل أجبني بالله عليك ماذا استبقيت لآخرتك؟ ألم تقرأ
وأنت الحريص على النص: ما جاء في القرآن: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا
واستمتعتم بها) الآية. (سورة الأحقاف/ 20). ألم تقرأ الروايات، المصاحبة لتفسير
هذه الآية، بغض النظر عن صحتها أو ضعفها، فإننا نخاطبكم بما تدّعون الوقوف عنده،
ألست القائل: "لا اجتهاد في مورد النص" (الفزازي، النذير، ص. 37). وأن:
"النص مقدس" (الفزازي، نفسه، ص. 20).
ألم تقرأ ما أورده الطبري من روايات في تفسيره بخصوص هذه
الآية: "ذُكر أن عمر بن الخطاب كان يقول: لو شئت كنت أطيبكم طعاما، وألينكم
لباسا، ولكني أستبقي طيباتي. وذُكر لنا أنه لما قدم الشام، صُنع له طعام لم ير
قبله مثله، قال: هذا لنا، فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهو لا يشبعون من خبز
الشعير؟ قال خالد بن الوليد: لهم الجنة، فاغرورقت عينا عمر، وقال: لئن كان حظّنا
في الحطام، وذهبوا (...) بالجنة، لقد بايَنُونا بونا بعيدا". وما رواه عن أبي
هريرة: "إنما كان طعامنا مع النبي (ص) الأسودين: الماء والتمر" (الطبري،
جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الجزء 26، ص. 21).
فلماذا، لا تقتدون بالرسول في صبره على المسغبة، أم أنكم
لم تقرأوا: (لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر
وذكر الله كثيرا" (الأحزاب/21).
تُرى الاقتداء به يقتصر على ما تظنّونه سنة من تقصير
الثياب، واستعمال الأرك، ووضع الكحل في العينين، وحف الشارب وإعفاء اللحي، وفي نفس
الوقت استعمال أحدث ما يوجد من الوسائل التقنية وركوب السيارات الفاخرة أو ما ما
لفّ لفها... حتى لو بات جارك جائعا، وباتت بطون الفقراء فارغة... وأنتم تزيّنون
لها ملذات الجنة ونعيمها، وتربحون الأموال على ظهورهم.
لقد نجحت العولمة الرأسمالية في تسليع كل شيء، بما فيه
الدين، فصار "الدين" يباع في أشرطة ثم أقراص، ومن خلال برامج في اليوتوب
والقنوات الفضائية وما يرافقها من إشهارات لمختلف السلع، مقابل مبلغ وقدره يتقاضاه
الداعية والمفتي... اقتصاد السوق هذا هو الذي خلق لنا ما يمكن أن يُطلق عليه:
"سوق الفتوى" و"سوق الدعوة"، ولأن من القوانين الكلاسيكية
للرأسمالية واقتصاد السوق هو المنافسة من أجل الهيمنة على السوق واحتكار الزبناء،
فإن كل داعية ومفتي سيتهافت على احتكار السوق عبر إغراقه بسلعته / فتاواه، لذا لا
غرابة أن نرى الإسهال في الفتاوى حتى تلك الأكثر غرابة، المهم تلبية حاجيات الناس
من الفتوى، حسب قانون العرض والطلب، ولا ضير أن يتراجع المفتي بعد ذلك عن فتواه،
المهم إغراق السوق بفتاويه، للحفاظ على زبنائه، لذا نجد الزمزمي، يبدي عدم الرغبة
في العودة لبعض فتاويه الجنسية المثيرة كفتواه بجواز مضاجعة الرجل لجثة زوجته
الميتة، قائلا: "هذه فتاوى مضى وقتها، ولا أريد العودة لإحيائها من جديد،
لأنها لا تهم الرأي العام في شيء ولن تحصل منها الاستفادة حتى إذا أعدنا ذكرها،
فهذه الفتاوى تم السؤال عنها في سياق معين، وكذلك جاءت الإجابة عنها في ظروف خاصة
" (الزمزمي، حوار مع صحيفة الناس، العدد 23). فقد حققت الغاية في حينها وهي
إثارة الانتباه، من جهة، وشغل الناس من جهة أخرى في قضايا تافهة.
نختم بالقول، إن التركيز على فساد الأخلاق لدى الناس،
ومحاولة شيطنتهم ثم فرض الوصاية عليهم، لا يستقيم مع تهافت الدعاة وأصحاب الفتاوي
على حطام الدنيا ــ كما بينا من خلال 3 نماذج ــ، والأحرى بهؤلاء أن يراقبوا
أنفسهم فيما يصدرونه من فتاوي، تشعل نار فتنة لا تبقي ولا تذر، ولعلنا نرى في قابل
الأيام "الإمساك" لدى بعضهم في إصدار الفتاوي بعد فترة
"إسهال" طويلة.
* نشر المقال في جريدة الأحداث المغربية
الجزء الأول الاثنين 13 يوليوز 2015، العدد 5643
الجزء الثاني الثلاثاء 14 يوليوز 2015، العدد 5644
الجزء الثالث الأربعاء 15 يوليوز 2015، العدد 5645
الجزء الرابع الاثنين 20 يوليوز 2015، العدد 5648